كل يومٍ أزداد يقيناً أن الفكر الإرهابي الضّال يكشف بنفسه الغلالة عن عورته، ويُسقِط بنفسه آخر أوراق التوت عن سوأته، ويخسر ويخسرُ عجَّل الله بزلته.
لم نكن نتوقع في يومٍ من الأيام أن يَضِل الفكر المستنيرُ في هذا البلد الآمن المستقر، بلد التوحيد والعلم والعلماء، بلد الحرمين الشريفين، لم نكن نتوقع أن تكون الرسائل القادمة من تورا بورا (تفرمت) عقول بعض الشباب في هذا البلد الحرام، لم نكن نتوقع أن تكون تلك الرسائل الإرهابية الضالة تقدر على قيادة هؤلاء البله قيادة الأعمى لأعمى.
كنت في بعض الأيام في نقاشٍ مع بعض الفضلاء حول هؤلاء: هل هم خوارج أم لا؟
فكان الأكثرية من الأفاضل يصفونهم بالخوارج، وكنت من الذين يرفضون تسميتهم بالخوارج، ولا زلت، وذلك لسبب بسيط: أن الخوارج كانوا صادقين فيما يعتقدون ويقولون، فإذا أرادوا فعل شيء فعلوه في العلن، أمّا هؤلاء فهم أقرب إلى التقية والكذب والنفاق منهم للصدق، على أتم الاستعداد لفعل أي شيء للوصول لأهدافهم، كما أنهم مسخَّرون لخدمة العدو في الخارج، وليس لهم أجندة محددة، بل أجندتهم خدمة أسيادهم في تورا بورا، أو علَّ أسيادهم اليوم في صعدة، أو لعلهم في مقديشو.. ولكن خابوا وخسروا.
أن يصل الاستهتار بالحياة والأرواح لدرجة أن يأتي شخصٌ إرهابيٌ مطلوبٌ أمنياً، حقه إذا لم يعش كغيره حياة العلم والعزة، أن يعيش في كهفٍ من الكهوف في هضبةٍ نائيةٍ، ثم يأتي في شهر رمضان المبارك ليفجر نفسه في مساعد وزير الداخلية سمو الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز -حفظه الله-، هذه مصيبةٌ لا حد لها، وزلة لا لعاً لها، لم يحترم البلد الحرام، ولا الشهر الحرام، ولا الأمير الذي أمنه على نفسه واستقبله في منزله، وأبى أن يضايقه أحدٌ من الحرس الخاص لتفتيشه، ثم يهجم ككلبٍ مسعورٍ يفجر نفسه ليقتل مساعد وزير الداخلية، ألا خاب وخسر، وباء بغضب على غضب، هو ومن أرسله أو جنده أو كان على شاكلته.
أي دينٍ يبيحُ لهم بذلك!! وأي عقلٍ يُبرر لهم ذلك!! وأي فكرٍ يقرهم على ذلك!! هل فكر في آخرته بعد أن غامر بخسارة دنياه!! هل لهؤلاء شيوخ يشهدون لهم بالجنة، ويمنونهم بالشهادة إذا هم انتحروا وفجّروا أنفسهم وقتلوا الأبرياء من الآمنين!! لقي الله وبين عينيه ميسم الوعيد النبوي: أن من قتل نفسه بشيء فهو يقتل بها نفسه في جهنم خالداً مخلداً أبداً، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القائل في حق من هو خير منهم (الخوارج) حيث قال فيهم -صلى الله عليه وسلم: هم كلاب أهل النار، وقال فيهم: اقتلوهم حيث ثقفتموهم، فإن في قتلهم أجراً عند الله تعالى، ولئن ظفرت بهم لأقتلنهم قتل عاد.
لقد أساءوا لديننا كثيراً، أساءوا إلى روح الإسلام، إلى سماحة الإسلام، إلى احتواء الإسلام لأعدائه، فضلا عن أهل المنتمين إليه، المعتنقين له، أساءوا إليه في الداخل والخارج، وصوروا ديننا أنه عبارة عن عبوةٍ ناسفة: قنبلة ورشاش وسيارة مُفخخة ودخان وبارود، أيان هؤلاء من التسامح الديني حتى مع الأعداء المحاربين، فضلاً عن غيرهم من غير المحاربين، فضلا عن غيرهم من المسلمين!!
بعد هذا الفعل الشنيع يجب أن نحذر منهم، وأن نكثف الجهود الفكرية من جهة، والأمنية من جهةٍ أخرى حتى يتم اجتثاثهم من جذورهم إلى غير رجعة بإذن الله.
* أبها - جامعة الملك خالد، كلية الشريعة وأصول الدين