خبر مذهل مشؤوم، لم تر عيناي من قبل، ولا سمعت أذناي قط مثله، وهو محاولة اغتيال صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف مساعد صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز النائب الثاني ووزير الداخلية للشؤون الأمنية.
تأرجح عقلي في البداية بين الشك واليقين، وتأججت عواطفي بالحزن والفرح معاً، الحزن على هذه العتة المطبق الذي اتصف به الجاني الأبله المغرر به أو الأحمق الذي امتلأ قلبه بالحقد الدفين. فهو لا يدري مدى قُبح ما يرتكبه، والفرح لنجاة المغدور الذي آمن بالمثالية الموروثة في هذه البلاد ففتح أبواب منزله للمهنئين برمضان، شهر التقوى والعبادة والغفران، وليس شهر الغدر والانحراف والشنآن، ليدخله كل مؤمن آمِنا، وليلج إلى صالاته ويعبر أبهاءه مطمئنا، وليلقي التحية ويسلم صادقا، وهو يعلم (كمسلم) أو ينبغي له أن يعلم أن السلام يعني الأمان، وانه لم يكن عبثا أن تصبح تحية الإسلام (دين الجميع) هي السلام في كل الأوقات وفي جميع الأمكنة ومع كل الناس.
تُرى هل نحن نعيش في عصر مجنون وعالم مخبول، ونقف بذهول أمام لوحة سريالية غير مفهومة، قل أيها الجاني من أنت ومن أين جئت ومن أرسلك؟ هل هذا هو الإسلام؟ لا أعتقد!! هل هذا هو الإيمان؟ بالتأكيد لا!! هل هذا الذي أقدمت عليه يعد من الكياسة وحسن السياسة؟ لا شك في انه ليس كذلك!! إذن قل لي بربك أنت ومن أرسلوك: ما هذا الذي رأيناه من شروعك في الجريمة المنكرة التي دفعت حياتك غير الغالية ثمنا لها وما المقصود منه؟ وما هو المراد؟ وما المطلوب؟ ولماذا هذا يا هذا؟
إنها محاولة شنعاء غير معقولة ولا مقبولة ولا يتوقع حدوثها من سوي وهي ليست في حسبان أي عاقل، لماذا تريدون أيها الأشقياء بعقولهم وأيديهم أن تفجعوا الأب بابنه وعضده وسنده الشاب وما دريتم من هو الأب وما حقيقته وأي شيء هي شمائله، إنه الإنسان في ثياب أمير والأمير في ثياب إنسان، لو كان هناك وزارة (للشؤون الإنسانية) لاستحق أن يُوزر عليها وينهض بأعبائها بكفاءة نادرة، وحين أُسندت إليه وزارة الداخلية (أنسنها) بكل ما في هذه الكلمة من المعاني الواسعة الفوّاحة بالأريج والنضاحة بالمسك، الأمير الوالد نايف اشتهر بالدماثة والرقة واللطف والتواضع والمروءة والعطف وسائر الخصال الحميدة والفضائل المجيدة، فكيف يسوغ عقلا ومنطقا وخلقا ووفاء أن يصاب في فلذة كبده.
إن طبيعة عمل الأمير محمد تفرض عليه أن يحافظ على أمن البلاد والعباد بحزم رفيق، وبرفق حازم، وهو لم يفعل إلا هذا بكفاءة وإخلاص، ولو كان غيره يجلس على كرسيه في هذا المنصب ويقوم بعمله ربما غلَّب الحزم على الرفق وأبعد الرفق عن الحزم، بل ربما نحى الرفق بالكلية واكتفى بالحزم الشديد.
إننا لو قارنا سمو الأمير نايف وسمو الأمير محمد بوزراء الداخلية وكبار المسؤولين في وزاراتهم في العالمين القريب والبعيد (حولنا) لوجدناهما (مع احترامنا للجميع) أنموذجين فريدين غير مألوفين في هذا السلك، (فهناك) يذهب من (يهمس فقط) بكلمة نقد وراء الشمس في لحظات بدون (سين وجيم) ولا محاكمات، ليس هو فقط، بل معه كل أفراد عائلته (الكريمة) التي تصبح فوراً (إعلامياً على الأقل) غير كريمة، ويذهب معه أيضاً أقاربه وجيرانه وأصحابه من كل المستويات، وقد يرافقه في رحلة (اللاعودة) أيضاً كل (سيء حظ) صافحه عرضاً في يوم من الأيام، أو ألقى عليه السلام صدفة ذات مرة، أما (هنا) فتتم مناصحة من ارتكب (فعلاً) الإثم ومسامحته، وتفتح له أبواب التوبة، كما تفتح على الرحب والسعة أبواب القصور، كما حدث للجاني المقبور، وفي حالات الضرورة القصوى يُسجن في محبس خمس نجوم.
قبل خمسين سنة - كما عرفت وشاهدت - كان أولياء الأمر خاصة من الملوك والأمراء يعقدون مجالسهم في الضواحي في العراء، لقضاء حوائج المواطنين والضعفاء، وكانوا يتنزهون فرادى ومجموعات مساء سيرا على الأقدام في شوارع الرياض كسائر خلق الله بدون تمييز وحراسة، وبلا مرافقين ومواكب ضخمة أو غير ضخمة، يحوطهم الوازع الديني الحقيقي الذي امتلأت به حياتنا، والهدوء الذي كان يلف أيامنا، والسكينة التي عمرت قلوبنا، ويحرسهم الإيمان الذي يشع من وجداننا، والسعادة التي تغمر نفوسنا، والفرح الذي يشرق في وجوهنا، والأمل الذي يتدفق من أفئدتنا، وعلى الرغم من تغير الظروف وتراجع المألوف، وظهور أخطار الحتوف، فإن أولياء الأمور مازالوا حريصين على الاستمرار في هذه السُنة الحميدة والطريفة المسنة، فليس لديهم باب مغلق، ولا سور عازل، أو حُجب فاصلة إلى يومنا هذا.
إن قلبي مغمس بالحزن، مكلل بالألم، تسيل من سنانه الحيرة، ويتقطر من ريشته الاستهجان وإن فؤادي ليتفطر من كل ما أراه مما لم أتوقعه أبداً ومن كل ما أشاهده ولا أرضى عنه مطلقا ومن كل ما أسمعه وأرفضه نهائيا من الضلال والكذب اللذين يرتديان ثياب الصواب والصدق، ومن الخطأ الذي يبدو لمن لا يعي وكأنه الصواب، وما هو بصواب بل هو خطأ صراح، وإفك أهوج، وإثم أثيم، تلقي بصاحبها في أتون العقاب في الدنيا والآخرة على حد سواء.
ألا تباً للغباء والغواية، وسحقا لسوء الرأي وتزييف الرواية، ومحقاً لانعدام الدراية إن الفتنة والقتل صنوان متشابهان، وتوأمان خبيثان، لا ينفصلان، فاحذروهما وقاوموا من يروج لهما ويعمل على إحداثهما، باللسان وبالسنان، إلى أن يندحر البهتان.
وأخيراً من فراش المرض المقعد الخطير، وعلى مشارب الغياب الأخير، وبعد الثمانين التي بلغتها، أرفع لسمو الوالد الكريم الأمير نايف المؤيد، ولسمو الأمير سعود بن نايف المسدد ولسائر أفراد عائلتيهما (الخاصة والعامة) التهنئة القلبية الصادقة بنجاة الأمير الممجد، صاحب السمو الملكي الغالي محمد، وليحفظ الله الوطن وأهله وأولياء الأمر فيه، من كيد الكائدين، وأحابيل المتربصين، وعدوان المعتدين، وجرائم المتآمرين، وسفاهات الخراصين، وتفاهات المغرضين، آمين، يا رب العالمين.
أستاذ سابق في الجامعة