لم تكن ليلة عادية بكافة المقاييس. فالشهر الكريم زاد في حرمة الجريمة الزمانية، والرجل المستهدف رمز من رموز الوطن وسيف الله المسلول على الإرهاب وأهله. يحمل في جسده قلباً رحيماً جعله يعامل من أرادوا قتله معاملة الأبناء، والمناسبة التي حدثت فيها المحاولة القذرة مناسبة استقبال وترحيب وإكرام من قبل الرجل المستهدف لمن حضروا للسلام والتهنئة. فهذه المناسبة التي توفرت لهذا المجرم وغيره ممن حضروا تلك الليلة لا تتوفر في أعتى الديمقراطيات الغربية. فلو كان هو وأمثاله ينتمون لإحدى الدول الغربية وأرادوا زيارة أحد المسؤولين بحجم صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف وفي قصره الخاص لقوبلوا بالطرد.
وأمام هذا الجريمة النكراء يتساءل المرء: هل لها من مبرر؟ هل يستطيع هذا المجرم الذي حاق به مكره وتقطع إرباً إرباً أو هل يستطيع أسياده الذين استخدموه وقوداً للنار ولم يعن لهم أكثر من ذلك أن يقنعوا الناس بما فعلوا! لقد قضى الله سبحانه وتعالى أن تحدث هذه الجريمة غير العادية كما ذكرنا سلفاً لتكون القشة التي تقصم ظهر هذا التيار الضال وأتباعه. فبعد هذه الحادثة هل سيدعي هذا التنظيم أنه يدافع عن كلمة لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. هل من يدافع عن الإسلام يحاول اغتيال إنسان مسلم في قصره في شهر رمضان الكريم والناس يفرغون للتو من صلاة التراويح وحال لسانهم يقول: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} (الحشر:10). ألم يقرؤوا هؤلاء الخوارج قول الحق تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فإن كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُو لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} (النساء:92). وقوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إسرائيل أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أو فَسَادٍ فِي الأرض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأرض لَمُسْرِفُونَ} (المائدة:32). وأين هم من قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع:
(أيها الناس اسمعوا قولي، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا، وكحرمة شهركم هذا في بلدكم هذا). لا أعتقد أن هناك عاقلاً ستنطلي عليه حيلة التظاهر بالدين والدفاع عنه من قبل أصحاب الفئة الضالة بعد هذا. وإن وجد من يتعاطف معهم بعد ذلك فاعلموا بأن في قلبه مرض وأن لديه أجندته الخاصة وليس مغرراً به. ألم يقتل هؤلاء الكثير من المسلمين من قبل كتفجيراتهم في مجمع المحيا التجاري الذي راح ضحيته العديد من المسلمين الذين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؟ وإذا نزلنا لما دون القتل لوجدنا الكثير من المخالفات الشرعية. فلو رجعنا من باب التذكير إلى اعترافات خلية الصالحية نجدهم كانوا لا يصلون الصلاة في جماعة المسجد. ونحن نعلم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد هم بإحراق الذين لا يشهدون الصلاة في جماعة المسجد في بيوتهم. فلقد روى أبو هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (والذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده، لو يعلم أحدهم: أنه يجد عرقا سمينا، أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء). بل لبس بعضهم الملابس النسائية من أجل الوصول إلى هدفه وهو القتل والخراب مع مخالفة هذا الأمر للإسلام. فقد روى ابن عباس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قال: (لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال). واللعن هو الإبعاد والطرد من رحمة الله. فكيف يقوم من يدعي نصرة الدين بعمل من شأنه أن يعرضه للطرد من رحمة الله. أي تناقض هذا!
هل بعد كل هذا هناك من يتعاطف دينياً مع هذه الفئة الضالة؟! لا أعتقد ذلك. فالدين في كل هذا ما هو إلا مطية ركبها هؤلاء من أجل دغدغة عواطف الناس. لا سيما وأن مجتمعنا مجتمع متدين ولله الحمد. لذلك كان أول شعار رفعه هؤلاء الخوارج كان الرغبة في إخراج الكفار من جزيرة العرب. واليوم يقتلون المسلمين ويحاولون قتل البعض الآخر في شهر رمضان الكريم. أإلى هذه الدرجة هم أغبياء أم نحن الأغبياء في نظرهم! إن المجتمع السعودي مجتمع متدين بطبعه. لذلك قد يدخل عليه من مدخل الدين. ومن المؤسف أن بعض العامة ينساقون خلف طرح هؤلاء الخوارج. والذين قد يلبسون على الناس بالتظاهر بالتدين. وهم الذين قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم: ( يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية). يقول أبو سعيد الخدري:
بعث عليّ عليه السلام إلى النبي - صلى اللّه عليه وسلم - بذُهَيبة في تربتها، فقسمها بين أربعة: بين الأقرع بن حابس الحنظلي ثم المجاشعي، وبين عيينة بن بدر الفزاري، وبين زيد الخيل الطائي ثم أحد بني نبهان، وبين علقمة بن علاثة العامري ثم أحد بني كلاب قال: فغضبت قريش والأنصار. وقالت: يعطى صناديد أهل نجد وَيَدَعُنا؟ فقال: (إنّما أتألَّفهم) قال: فأقبل رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناتئ الجبين، كثُّ اللحية محلوق قال: اتَّقِ اللّه يا محمد، فقال: (من يطيع اللّه إذا عصيته، أيأمنني اللّه على أهل الأرض ولا تأمنوني؟) قال: فسأل رجل قتله، أحسبه خالد بن الوليد قال: فمنعه، قال: فلما ولى قال: (إنَّ من ضئضئي هذا، أو في عقب هذا قوماً يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، لئن أنا واللّه أدركتهم لأقلتنهم قتل عادٍ).
وفي الحديث الذي رواه علي:
إذا حدثتكم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثاً، فوالله لأن أخرَّ من السماء، أحب إلى من أن أكذب عليه، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم، فإن الحرب خدعة، وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (سيخرج قوم في آخر الزمان، أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البريَّة، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميَّة، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة). يقول بن حجر المقصود بخروجهم من الدين هو خروجهم من طاعة ولي الأمر.
هذا من الناحية الدينية، أما من ناحية عاداتنا العربية الأصيلة كالنخوة والشهامة، هل يوجد من يدعي هذه الصفات ثم تجده يغدر بمن استضافه في منزله محاولاً قتله! كان للمنزل وما زال لدى العرب حرمة خاصة. ولا يتجاهل هذه الحرمة إلا المنبوذ في المجتمع. فقاتل الأب أو الابن أو الأخ قد يعفي عنه المرء إذا زاره في منزله طالباً العفو. وما ذلك إلا لحرمة المكان. وهكذا نرى أن هذا المجرم الإرهابي قد فشل أيضاً في التعامل مع ثقافته العربية.
وهنا قد يتساءل الشخص عن دافع هذا الأرعن لتجاوز تعاليم دينه وتجاهل قيم ثقافته العربية الأصيلة ومحاولة قطع اليد التي أحسنت إليه لدرجة منع تفتيشه كزائر له قيمته. الحقيقة أن هناك نوعين من الأسباب. الأول يتعلق بهذا الإرهابي كشخص. والنوع الثاني يتعلق بهذا التنظيم الظلامي. أما ما يتعلق بشخص الإرهابي فهناك الكثير من الصعوبات السيكولوجية والتي جعلته وأمثاله أرضاً خصبة لتجنيدهم وتحريكهم كدمى. وقد عرضت لهذه العوامل النفسية سابقاً في مقال بعنوان: (سيكولوجية الفئة الضالة) نشر في جزيرتنا الغراء. حيث ليس بمقدور هؤلاء النظر في الأمور بأكثر من منظارين. حيث إن تعريفهم للصح والخطأ إما أبيض أو أسود. فلا يمكن أن تستوعب هذه العقليات أن هناك منطقة رمادية يوجد فيها الصح والخطأ. فما بالك بوجود العديد من الدرجات لهذه المنطقة الرمادية وفي كل منها الصح والخطأ! إنه ضيق الفكر. فعندما يكون الفكر منغلق لا يتسع ليرى ما حوله. بمعنى آخر لا وجود لدى هؤلاء المنحرفين لمبدأ الوسطية. ونحن نعلم أن الوسطية والاعتدال هما روح الإسلام. يقول تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (143) سورة البقرة. وفي الحديث الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: جاء ثلاث رهط إلى بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني).
ومن هنا نجد أن أحد جوانب عقلية الفئة الإرهابية هو أنهم يخضعون لسلطة زعيم متحكم لا يدع لديهم فرصة للنقاش أو حتى لمحاولة الفهم. ولذلك نجد أنهم يعانون من خلل واضح في قدرتهم على التفكير. ومن سمع اعترافات أفراد هذه الفئة يرى هذا الجانب واضحاً. حيث نرى أن هناك زعيماً ما يحدثهم عن كفر الدولة على سبيل المثال. وعندما يطلبون الاستيضاح لا يدع مجالاً لهم. حيث يقول أقول لكم يقول الله ورسوله وتقولون ما تقولون. إذاً لا مجال للتفكير ولا لإبداء الرأي. بمعنى آخر لا مجال لأن يفهم الإنسان. لأنهم يريدونه غير فاهم ليتسنى لهم برمجته وإرساله للموت وهو يضحك! فكل ما على هذه الدمى هو قبولها برأي محركها. فحين يخبرهم بأنهم لابد أن يقتلون ويموتون فعليهم فعل ذلك. لأنه على رأي زعيمهم هناك الجنة والحور العين في انتظارهم!
ونحن نعلم أن التفكير واستفتاء النفس من الأمور التي دعانا لها ديننا الحنيف. ففي الحديث الذي ورد في مسند الإمام أحمد يقول وابصة بن معبد: (أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أريد أن لا أدع شيئا من البر والإثم إلا سألته عنه وإذا عنده جمع فذهبت أتخطى الناس فقالوا إليك يا وابصة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليك يا وابصة فقلت أنا وابصة دعوني أدنو منه فإنه من أحب الناس إلي أن أدنو منه فقال لي ادن يا وابصة ادن يا وابصة فدنوت منه حتى مست ركبتي ركبته فقال: يا وابصة أخبرك ما جئت تسألني عنه أو تسألني فقلت: يا رسول الله فأخبرني قال: جئت تسألني عن البر والإثم قلت: نعم فجمع أصابعه الثلاث فجعل ينكت بها في صدري ويقول: يا وابصة استفت نفسك البر ما اطمأن إليه القلب واطمأنت إليه النفس والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس قال سفيان وأفتوك).
كما أن غالبية أعضاء هذه الفئة يعانون من اضطرابات نفسية لاسيما فيما يتعلق بتقدير الذات. لذلك نجدهم ينجذبون للشخصيات التي تقودهم وتظهر نوعاً من الكارزما. وعليه فهم على استعداد لعمل ما يمليه هذا القائد عليهم من أجل تعويض النقص الذي يشعرون بهم. ولو قادهم الأمر إلى تفجير أنفسهم.
أما الأسباب المتعلقة بتنظيم القاعدة كتنظيم فمردها إلى الانهيار الذي يعانيه هذا التيار بعد الضربات الموجعة التي تلقاها من السلطات الأمنية. وللحق فإن هذه الضربات لم تكن عسكرية فحسب بل شملت الضربات الفكرية والتي قامت بتعرية هذا الفكر وتوعية الناس بخطره. من هنا كانت تجربة المملكة العربية السعودية في محاربة الإرهاب من التجارب التي أشاد بها المجتمع الدولي. وأمام هذا المأزق الكبير الذي وجد هذا التنظيم نفسه فيه أراد أن يقوم بعملية نوعية مهما كلفه الأمر. وكل هذا من أجل إثبات الوجود الذي أصبح مشكوكاً فيه. ويدل على هذا ذلك الاندماج الذي حدث بين فرعي هذا التنظيم الظلامي في كل من المملكة العربية السعودية واليمن. فلو لم يشعر هذا التنظيم بقرب نهايته لما حدث ذلك الاندماج. ومن هنا جاءت كلمات رجل الأمن الأول صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - محذرة من عمليات نوعية محتملة لهذا التنظيم. وهذا لعمري مؤشر على قرب نهاية هذا التنظيم. فكثرة الضغط عليه كان سبباً في انفجاره. ذلك الانفجار الذي سيؤدي إلى زواله.
أضف إلى ذلك أن هذا التنظيم لو كان قد نجح في محاولة الاغتيال هذه فإنه سيكون قد أصاب الأمن السعودي في مقتل. فلو تخيلنا الأمن السعودي على شكل عملة ووجهها الأول صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود النائب الثاني لرئس مجلس الوزراء وزير الداخلية حفظه الله، فإن وجهها الثاني هو صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية. ولكن ولله الحمد والشكر خاب مسعى الإرهاب وخرج الأمير البطل سالماً.
وإذا تأملنا محاولة الاغتيال الفاشلة فإننا سنخرج بالعديد من الدلالات:
أولاً - إن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف جندي من جنود الوطن. وأن ما يتعرض له رجال أمننا البواسل من تهديد يتعرض له سموه تماماً. وهذا بلا شك يعطي دافعاً لرجال أمننا البواسل للتفاني في خدمة الوطن.
ثانياً - إن نظرة الحكومة السعودية ممثلة في وزارة الداخلية للتعامل مع التيار ليست نظرة سلطوية عقابية بحتة. فلو كان الأمر كذلك لزج بهؤلاء في السجون ونفذ فيهم شرع الله وانتهى الأمر. لكن تتعامل هذه الحكومة مع هؤلاء الضلاميين معاملة أبوية يختلط فيها النصح مع العفو. لعل الله أن يهديهم إلى جادة الصواب. ومن هنا كان استقبال صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف - حفظه الله - لهذا الإرهابي في قصره وفرحته بتوبته المزعومة.
ثالثاً - حرص خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز - حفظه الله - على سلامة رجال أمننا البواسل. حيث سارع رعاه الله إلى زيارة الأمير محمد.
رابعاً - ذلك التلاحم بين القيادة والشعب ونرى ذلك جلياً في مدى استنكار هذا الحادث الأليم من قبل المواطنين دون استثناء وفرحتهم بسلامة سموه الكريم.
خامساً - روح العفو والصفح لدى صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود النائب الثاني لرئس مجلس الوزراء وزير الداخلية - حفظه الله - وهو الذي طعن من مدخلين. الأول، كونه يقف على قمة الهرم الأمني في بلادنا وأحد رجاله يتعرض لهذه المحاولة الآثمة. الثاني، كونه أباً ويتعرض ابنه لمحاولة اغتيال. ومع كل هذا نجده يقول: (إن باب التوبة سيضل مفتوحاً).
سادساً - يجب عدم تصديق كل مدع للتوبة من هؤلاء الخوارج. بل يجب أن يكون هناك تقنيناً لهذه التوبة وضوابط لمن يدعي أنه قد تاب. فبالإضافة إلى إمكانية تكرار ما حدث من قبل بعض (التائبين) نجد أن الكثير من هؤلاء الخوارج يتبعون التقية. وهي في عرفهم التظاهر بالتوبة والعودة إلى جادة الصواب حتى يجدوا الفرصة مواتية للانقضاض. سابعاً - يجب التفريق بين الدين والمتظاهر به. فليس كل متظاهر بالدين متدين. بل قد يتخذ الدين مطية لتحقيق بعض الأهداف المخالفة للدين أصلاً.
ثامناً - تكتيك زرع المتفجرات في أماكن حساسة في أجساد الدمى البشرية وتفجيرها عن بعد بحاجة إلى أخذه في الحسبان عند القيام بعمليات التفتيش.
وهكذا نرى لماذا حاول هذا الخارجي اغتيال سيف الله المسلول صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف حفظه الله. فحمداً لله على سلامة الأمير المحبوب وحمداً لله على وقوع هذا الإرهابي في شر صنيعته. أليس كل ما حدث كان مصداقاً لقول الحق تبارك وتعالى: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الأولينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} (فاطر:43).
د. فهد العبري-جامعة القصيم
Alabri3@hotmail.com