جميل ديننا.. عظيم إسلامنا.. حث وأمر بالمحبة، بل جعل كمال الإيمان أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك، وأن من الصفات الحميدة والأقوال الجميلة كلمات الحب والتبريك والتهنئة، والفرح عند حدوث نعمة أو قدوم غائب.. يحلو التواصل وتزداد البهجة بقدوم نعمة عظيمة وعبادة جليلة امتازت بها أمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - عن غيرها من الأمم، إنه شهر رمضان فمع دخوله وحلوله يتبادل الناس التهاني والتبريكات عبر الجوالات بالرسائل والمكالمات، وجميعهم يقولون مبارك عليكم الشهر الكريم.. نعم تلهج بهذه العبارة الألسن وترسم بها اللوحات، وتنشر من أجلها الإعلانات وتتسابق لها الشاشات، فلمَن يبارك بقدوم شهر رمضان؟ لمن جعله للمأكولات؟! أم لمَن جعله للمسلسلات ومتابعة القنوات؟! أم يكون التبريك لمن استعد لأجله قبل ستة أشهر أو تزيد ليخرج للناس في رمضان بمسلسل فارغ؟! أم لمَن اشترى أفلاماً هابطة وحلقات ساقطة لتعرض في هذا الشهر الفضيل؟!
يا ترى من يستحق إرسال المباركة له بحلول شهر رمضان؟ صعد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- المنبر فقال: (آمين.. آمين.. آمين..)، فسأله الصحابة عن ذلك فقال: (أتاني جبريل فقال: من أدرك شهر رمضان ولم يغفر له باعده الله في النار، فقل آمين فقلت آمين..، يبارك رمضان للصالحين والقائمين والركع السجود.. يبارك رمضان لمن بكى من خشية الله تعالى.. هنيئاً لمن حفظ بصره ولسانه، والفوز والنصر لمن أكمل العدة وقال في نهايته بعد أن صام وصلى وبكى وزكى وحافظ على بصره ولسانه: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلا.
أخي بادر بالأعمال الصالحة في أول الشهر الكريم وضاعف الجهد في آخره، فزمنه محدود، وأيامه معدودة، ولياليه مشهودة، مبارك عليكم شهر رمضان يا عباد الله، فأروا الله من أنفسكم خيراً بالاجتهاد وتقديم الأفضل من الأعمال، فالكثير يكثر من العبادة في نهار رمضان من تلاوة القرآن والصدقة والإحسان، وهذا أمرٌ حسن، ولكن الليل أفضل، فكان جبريل عليه السلام يدارس نبينا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - القرآن في الليل، وفي الليل ليلة هي خير من ألف شهر.
والكثير منا يسارع في تفطير الصائمين طمعاً في الثواب والأجر، وهذا عمل رائع ومشهد جميل، ولكن المحظور يكمن في الإسراف على موائد الفطور، والله سبحانه جعل المبذرين اخواناً للشياطين، وتأمل قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (من فطر صائماً..) ولم يقل (من اشبع صائماً)، قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: (وظاهر الحديث أنه إذا فطر صائماً ولو بتمرة واحدة فإن له مثل أجره)، والأفضل لمن زاد ماله أن يبذله للمحتاجين وما يخدم المجتمع. الكثير منا يجتهد أول الشهر ثم يضعف في آخره، والأفضل له أن يجتهد في أوله ويضاعف الاجتهاد في آخره، فالعبرة دائماً بالخواتيم. ويحرص الكثير منا على العمرة في رمضان ويترك من يعول، والأفضل له أن يقدم الواجب قبل المسنون. وكثير من أئمة المساجد لهم جهود مشكورة وأعمال ملموسة في توعية الناس في شهر رمضان، إلا أنه يلاحظ على بعضهم إطالة الدعاء مع التعدي فيه، والأفضل أن يقصر الدعاء ويقتصر على الثابت عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. ومنهم من يترك جماعة مسجده فيذهب إلى مكة مثلاً، والأفضل له بل الأوجب أن يكون في مسجده وبين جماعته.
أما أخواتي المسلمات فالكثير منهن يحرصن على صلاة التراويح وهذا حسن، ولكن يلاحظ على بعضهن الذهاب بالأطفال فيشوشون على المصلين وبعضهن يأتين للحديث والتسلية مع زميلاتهن، والأفضل لمن كانت هذه حالها أن تصلي في بيتها. ومنهن من تجعل رمضان للنوم وتجهيز الطعام والتجول في الأسواق، والأفضل لها الإمساك عن الملهيات كما أمسكت عن المفطرات، وأن تشغل وقتها في بيتها بما ينفعها وينفع أولادها.
أسأل الله أن يعينني وإياكم على الصيام والقيام ويتقبل صالح الأعمال.
*خطيب جامع ابن عثيمين بالخبر