على أعتاب الخمسين رجلا صلبا جلدا لاتلين نفسه للحوادث ولا تنحني هامته لهبوب العواصف، جاء إلى عمله ذات يوم كاسف الوجه مكروب النفس شارد الذهن منقسم القلب، استبقت عبراته وتتابعت دموعه وقد حاول سترها ولم يفلح بنظارة شمسية سميكة! لم يلبث إلا أن أظهر الخفي وأجهر السر بعد محاولات مضنية لاستنطاقه وبعبرات تقطع القلوب وآهات تفطر الأكباد قال: لقد طلقت زوجتي! قيل له: لعلك تراجعها فالفرصة قائمة! قال هي الثالثة البائنة! وقد رحلت زوجتي إلى أهلها في قريتهم، وما يوجعني ويلهب فؤادي ويهد أركاني هم الصغار الأربعة الذين تركتهم في بيت موحش لا عين أم تطرف ولا جفن والدة رؤوم يذرف، هناك لوحدهم بين باك وجائع ومتوجع، قلوبهم جريحة مضرجة قد شفهم حر الفراق وبرح بهم الشوق لأمهم ولا حافظ لهم إلا الله، وهذا ما لايتصدعني حمله ولا أطيق ثقله!سأله أحدهم وكيف حصل هذا؟ قال: عدت بالأمس للبيت وقت السحور وقد كانت نائمة فأيقظتها لتجهيز السحور فأبت! فارتفع صوتي عليها وتلاه صوتها ثم طلقت فكان هذا فراق وفصل ما بيننا!!
تأملت في تلك القصة ومثيلاتها كثير ووقفت على عدد لا بأس به من قضايا الطلاق فوجدت أن السبب في أغلبها يتمثل في سعي الأزواج الحثيث للانتصار في معارك هزيلة قد استزلهم الهوى واستدرجهم الشيطان لخوض غمارها فكان التفاعل مع نوبات الغضب والانفعالات غير المنضبطة والعناد الأجوف والتصرفات الخرقاء فكان مستقر الأمر وعاقبته طلاق أعقب ندما وأورث حسرة تفرق بعده الجمع وتشتت الشمل فالجميع بعده خاسرون!
بعض الأزواج في حال مواجهته لمشكلة ما مع زوجته يظن أنه البطل الوحيد في مسرحية الأحزان والمكلوم الأول في هذه الدنيا ولاثمة أحد أعظم منه بؤسا وتعاسة ويرى أن مشكلته أعظم مشكلة قد تواجه إنسانا في هذا الوجود ومع تلك الأفكار السلبية تتصاعد مشاعر ضاغطة يتوهم معها استحالة حل المشكلة،وأقول رويدك أيها العزيز فلا تستصعبن الحل فربما كان أقرب إليك من حبل الوريد ولعله يكون في كلمة أو همسة أو ابتسامة أو اعتذار وقد سمعت قصة عجيبة اختصارها: أن زوجين وعلى خلفية خلاف بسيط بينهما تكثفت معه مشاعر الغضب اتفقا على تحديد موعد يلتقي فيه الزوج مع والد زوجته لحسم موضوع الطلاق، ثم فتح الله على الزوجة وغيرت منحى الأمر بجعل اللقاء بينهما في احد المقاهي لبحث المشكلة وماهي إلا دقائق بعد هذا الاجتماع المبارك حتى تغير مسار السيارة إلى شقتهما بدلا بيت أهلها!! وتغير بعد هذا التصرف الحكيم مسار حياتهما من وضع صعب محتمل ومشكلة لا جبر لها ولا رتق لفتقها إلى أزمة بسيطة فقط نثرا عليها إكليلا من ورد فحسم الداء وانسدت الثلمة.
وسأهدي لك أخي الزوج في العدد القادم باقة من التوجيهات والتي كتبتها بعد طول تأمل وبحث واستقراء والتي احسب أنها ستعينك على التفكير كثيرا وإعادة النظر قبل أن تتخذ قرار الطلاق، دعواتي للجميع بحياة هانئة سعيدة
ومضة قلم:
من أكبر مشاكلنا أننا نبني أسوارا كثيرة، ولا نبني جسورا بالقدر الكافي!
****
khalids225@hotmail.com