منذ عام 1915م حتى يومنا هذا والمنافذ الحدودية بين تركيا وأرمينية مغلقة وقد مرت تلك العلاقات بمراحل ساخنة بين الشعبين المتجاورين مصحوبة بحالة من العداء المزمن وذلك (لاتهام) الجيش العثماني بمسؤولية حرب إبادة ضد الجالية الأرمينية والتي كانت تعيش في الدولة العثمانية وقد ورثت هذا العداء والاتهام الجمهورية التركية الحديثة والتي ترفض هذا الاتهام وتستعرض في المحافل الدولية العديد من الأسباب والدفاعات لعدم مسؤوليتها لتحمل هذا الإرث المحول لها من مخلفات الدولة العثمانية والتي كانت تمتد من اليمن حتى النمسا في قلب أوروبا.
القيادة التركية الحالية وحزبها الحاكم (العدالة والتنمية) يضع في أولياته محاولة من جسور الثقة والنوايا الحسنة مع جمهورية أرمينية المولود الجديد لتفكك الاتحاد السوفيتي والجار الشرقي والذي لا بد من صداقته بُد وإغلاق ملف العداء التركي الأرمني. وكانت البداية لإذابة الجليد المتراكم على العلاقات بين البلدين الجارين تلك الزيارة غير الرسمية والتي قام بها الرئيس عبدالله كول في العام الماضي حين حطت طائرة الرئاسة التركية وظهر ضيف أرمينيا الرئيس كول وبرفقته المنتخب التركي لكرة القدم لأداء مباراة دولية مع منتخب أرمينيا وشكلت هذه الزيارة الفريدة فقرة جديدة تضاف إلى اتفاقية فينيا للعلاقات الدبلوماسية المعلنة عام 1961م بتأثير الرياضة في العلاقات الدولية ورحبت الحكومة الأرمينية ومعها شعبها بهذه الخطوة الشجاعة نحو تحسين النوايا ورسالة محبة وصداقة حملها الرئيس كول بزيارته الرياضية هذه والبلدين لم تكن تربطهما علاقات دبلوماسية أو اعتراف متبادل!!
وأخذ رئيس الوزراء التركي رجب طيب أروغان يفكر بصورة جدية لفتح صفحة جديدة في العلاقات الأرمينية التركية إثر التوسع الظاهر في العلاقات الاقتصادية بين تركيا ودول آسيا الوسطى الناطق باللغة التركية والتي تحررت من نفوذ وسيطرة الاتحاد السوفيتي وفرضت أيضاً جغرافية الجارة أرمينية لوقوعها على خط هذه العلاقات الاقتصادية المتطورة (ولابد) من عبور 90% من تلك لمشاريع الضخمة ومرتكزها الصناعة البترولية من الأراضي الأرمينية وتسلم هذا الملف وزير الخارجية التركية الجديد أحمد داوود وأوغلو والذي يسعى للاتجاه شرقاً لعلاقات تركية والتركيز على جناحي هذه العلاقة الدول الحديثة الناطقة باللغة التركية في آسيا الوسطى والمحيط العربي الإسلامي والذي ارتبط بتركيا باتفاقيات استراتيجية يقدر مردودها المتوقع أكثر من مائة مليار دولار دخل تبادل نتيجة العلاقات الاقتصادية الجديدة مع هذه الدول الصديقة.
وكان للزيارة الهامة التي ترافق فيها الرئيس بوتين وزميله الإيطالي في الشهر الماضي بضيافة الرئيس أردوغان في أنقرة وتحرك الملف التركي الأرميني بصورة جدية إثر توقيع ثمانية عشرة اتفاقية اقتصادية وسياسية بين الأركان الثلاثة ودخلت فقرة إنشاء علاقات دبلوماسية بين أرمينيا وتركيا كفقرة أولى متقدمة في تلك المحادثات التركية الروسية الإيطالية لعلاقاتها المباشرة بالمشروع العملاق الذي ستنفذه الدول الثلاث مجتمعة بمد أطول خط غاز بالعالم يبدأ في وسط روسيا الاتحادية وينتهي على السواحل التركية المطلة على البحر الأبيض المتوسط عابراً الأراضي الأرمينية! وعلى إثر هذه الزيارة الثلاثية الأركان والهامة اقتصاديا لتركيا والتمهيد الروسي مع أرمينيا هبطت طائرة الرئيس أردوغان يرافقه وزير الخارجية داوود أوغلو في العاصمة الأرمينية لأول مرة كزيارة رسمية منذ قرن يقوم بها مسؤول تركي لأرمينيا وتحمل معها حسن النوايا والمحبة الصداقة للشعب الأرمني وقد قوبلت هذه الزيارة بالترحيب الرسمي الشعبي من قبل جمهورية أرمينية الحديثة.
وتم التوقيع على اتفاقية إنشاء علاقات دبلوماسية والاعتراف المتبادل بين البلدين الجاريين وقد أنتجت هذا الزيارة أيضاً إنهاء النزاع الأرمني الأذربيجاني حول إقليم (كاراباغ) وتوقيع اتفاقية تقاسم هذا الإقليم الحدودي والفني بمخزون بترولية كبير وبذا تضمن تركيا السلام الاقتصادي لكل مشاريعها المشتركة مع دول آسيا الصغرى وبالذات خط أنابيب بترول أذربيجان والذي يمر معظمه في الأراضي الأرمينية.
وكذلك المشروع الاستراتيجي للسكة الحديدية الذي يربط أنقرة بمعظم عواصم الدول المحيطة بشرق تركيا والذي يسهل نقل البضائع والمسافرين بين هذه الدول والذي مركزه العاصمة الأرمينية أريفان. ومع هذا التحول السياسي والاقتصادي التركي الأرميني بدأت مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية بين البلدين واثر المصادقة على هذه الاتفاقيات من قبل برلماني الدولتين تفتح المنافذ الحدودية بينهما والتي كانت مغلقة لقرن مضى ويبدأ طريق الحرير التاريخي مجده الماضي بربطه الصين بأوروبا مروراً بالدولة العثمانية سابقاً ويعيد التاريخ نفسه مسجلاً للرئيس أردوغان هذا الحدث التاريخي وليؤكد المثل الاقتصادي (بأن رياح الاقتصاد تحرك دوماً شراع سفينة السياسة).
* عضو هيئة الصحفيين السعوديين
جمعية الاقتصاد السعودية