ثلاثة من مفردات الإعلام الرائجة.. أولها التشدد وهو التحوط الشديد في أمور الدين والحياة الذي يجور على يسر الدين وبساطته.. وثانيها التطرف وهو أن يكون بالتزام التشدد في كل الأمور فيصبح السهل صعباً واليسير عسيراً.. أو ان يكون بالتفريط الشديد وبالتالي إهدار القيم التي تقوم عليها المجتمعات.. والثالث الإرهاب وهو الذي تعرفونه.. المشكلة كلنا إلا من رحم ربي يرى لنفسه أعلى الحقوق.. ويرى عليها أدنى الواجبات.. ويرى أن رأيه هو الحق في توازنه ومنطقيته.. ويرى في مواقفه وتصرفاته أنها مواقف وتصرفات عدل وإنصاف.. لذلك ينكر المتشدد أنه يغلو في تشدده كما ينكر المتساهل إفراطه في التساهل وهم في ذلك صادقون جادون.
المتابع للإعلام المحلي سوف يجد اختلافاً كبيراً بخصوص التحديد الدقيق لمعاني التشدد والتطرف والإرهاب.. وحيث إن الشريك المحاور معنا في معنى الإرهاب هو الغرب الذي اكتوى بناره فقد اقتصر حوارنا على معنى الإرهاب.. وترك الحوار عن حقيقة معنى التشدد والتطرف ولم تُجر بخصوصهما أية حوارات جادة أو ذات معنى.. ربما لأنه حوار داخلي.. ونحن في الداخل يغلب علينا الصوت الذي يرى في التشدد صفة مرحب بها.. وصار معناها رديفا لمعنى الالتزام.. أما معنى التطرف فقد أقصي وربط بالأعمال الإرهابية أو الأفكار الليبرالية.
والمتابع لأدبيات الإعلام الرائجة سوف يلحظ الفصل بين التشدد والتطرف والإرهاب.. رغم ارتباطها مع بعض ارتباط السبب بالنتيجة فالتشدد هو التطرف بعينه.. والإرهاب هو النتيجة الحتمية لهما حيث تشكلان البنية الحاضنة المولدة للإرهاب الفكري والمادي.. لذلك فمقاومة الإرهاب يجب أن تبدأ بحل مشكلة التشدد.
إن العبء الكبير في وضع معايير الوسطية لضبط السلوك ومعالجة مشكلة التشدد إحدى المهام العظيمة التي يجب أن تضطلع بها الحكومة والمؤسسة الدينية والمثقفون ومؤسسات المجتمع كافة.. ولا يجب ترك العبء كله على كاهل المؤسسة الدينية.. وأعتقد أن مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني يمكن أن يلعب دوراً محورياً في هذا الشأن منطلقاً من دوره الحالي في قيادة حركة الإصلاح في مجتمعنا شريطة وأن يصحح مفهوم المجتمع حول الحوار الذي هو للفهم والتفهم وليس أكثر.. مع أن هذا كثير وكبير ومهم جداً.. وليس من المنتظر منه أن يكون من مراكز صنع القرار.. فأنت تجد حتى المقربين منه والمهتمين به لديهم سوء الفهم هذا ويلومون المركز على إخفاقه في أن يخرج بتوصيات تتبناها الحكومة.
هذه واحدة.. أما الثانية فقد كان مركز الحوار خلال الخمسة أعوام الماضية من أنشط مؤسسات المجتمع المدني أداءً وتأثيراً.. واليوم بعد تكليف أمينه العام بالتربية والتعليم وهي مهمة أشد خطورة.. فإننا نرجو أن لا يكون ذلك على حساب مركز الحوار.