كثيرٌ هو الكلام عن هذا الحدث المفصلي الهام، والكتب العديدة التي أولفت وترجمة، والمقابلات والمقالات والتخرصات والتحليلات العالمية والمحلية ما زالت -في نظري- عاجزة عن حل اللغز، غير قادرة عن البوح أو التوصل للإجابة الصحيحة عن السؤال المهم الذي يطرح صباح مساء وفي كل مجلس ومن كل إنسان: ترى من يقف خلف هذا الحدث.. هل هو ابن لادن ومن خلفه الإرهاب الإسلامي الذي تغذيه جماعات العنف والتطرف في العالم الإسلامي؟.. أم اللوبي الصهيوني الذي يبحث عن ذريعة لخرق السفينة العربية الإسلامية وضربها في مقتل من قبل الغرب عامة والولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص؟.. -ومن لم يصدق عن الخبث اليهودي والتخوف الأمريكي فليقرأ وصية الرئيس روزفلت للشعب الأمريكي بوجوب إخراج اليهود الذين يعيشون هناك.. (وإلا سيكون أطفالنا عبيداً لهم..)-، أم أحزاب المعارضة داخل الولايات المتحدة الأمريكية التي أرادت الخروج من عنق الزجاجة ولو على حساب سمعة دولتهم، أم...؟. مساحات مفتوحة من التوقعات والمحاولات، ومع ذلك فاللغز ما زال قائماً وسيظل، الطيارون مثلاً يقولون إن القاعدة أعجز من أن تنفذ هذا العمل الصعب إذ إن تغيير مسار الطائرة وضرب البرجين بما يمكن أن نسميه بالقلب للمبنيين وبهذه الدقة والجرأة لا يمكن أن يقوم به إلا طيار ماهر تدرب على هذا النوع من الطائرات أكثر من 2500 إلى 2600 ساعة متواصلة وعلى نفس الطائرة، وهذا لا يمكن أن يتوافر لأي فرد من أنصار ابن لادن.. وبنفس المنطق يتحدث المهندسون المعماريون. أما المحللون السياسيون فيقولون إن المستفيد من هذا العمل هو اللوبي الصهيوني بالدرجة الأولى ولذا لا يستبعد أنه موجود في اللعبة ولو من طرف خفي. والخبراء الاقتصاديون يقولون إنها محاولة جادة لإخراج أمريكا من أزمتها الاقتصادية وذلك بافتعال مثل هذا العمل العدواني الخطير ليكون ذريعة للوصول إلى آبار النفط، والإرهابيون يدعون وصلاً بهذا الحدث من أجل أن يضرب العدو في عقر داره، بل إن بعض الكتّاب الغربيين يقولون هذا القول ويبرهنون عليه، ولعل من أجد وأشمل ما كتب في هذا كتاب (البروج المشيدة) للأمريكي لورنس رايت، فهو يتبنى القول بأن القاعدة هي من قام بهذا الفعل المشين، وهناك من قال إن هذا عمل مشترك بين اللوبي الصهيوني والجماعات الإسلامية المتطرفة أو على الأقل لعب الصهاينة دوراً أساساً في هذه العملية وكانوا على علم مسبق بها، وهناك.. وهناك..لا يهم، فالتاريخ كفيل بظهور الحقيقة بكل أبعادها وملابساتها، ولكن المهم بالنسبة لنا في هذا الوقت بالذات أن 11 سبتمبر كان نقطة تحول، وحدثاً فاصلاً، وبرزخاً قاتلاً بين عهدين مختلفين، والمتضرر وبشكل مباشر هم أتباع هذا الدين (الإسلام) عموماً ومن يعيش منهم في الغرب خاصة.. وحتى نكون أكثر دقة وأعمق نظرة في قراءة الأحداث وتحليل الوقائع، حتى نكون كذلك من الأهمية بمكان أن نركز على أرضية الحدث لا الحدث فحسب، إذ إن منا وللأسف الشديد من جعل للغير القدرة على توظيف الحدث لخدمة أهدافه التوسعية، فالتطرف كشفت الأيام أنه كان يعشعش فينا وما زال، والعنف طبع البعض منا، وعدم قابلية الآخر المخالف سلوك توارثناه، وعلى غرار ما كتبه المفكر الجزائري المعروف مالك بن نبي -رحمه الله- فيما سمه القابلية للاستعمار يمكن القول إن لدينا نحن اليوم قابلية للاتهام، وكذا قابلية للانهزام وجعل السيناريو الغربي ينتقل من دائرة التفكير والتنظير إلى أرض الواقع.. إن من المهم أن نمارس النقد على أنفسنا، ومن ثم نحاول التصحيح لواقعنا المعاش، ولعل محاضرة أ. د. طارق الحبيب (سيكولوجية المفجرين) تأتي في هذا السياق الذي أطالب فيه وبقوة، من المهم ألا يكون همنا فقط أن نرفع أصابع الاتهام، وأن نبحث عن المشعاب الخارجي الذي نعلق عليه أخطاءنا. إن الأوراق التي بدأت تتساقط يوماً إثر يوم تدل على أننا غارقون في مشاكل متداخلة وعويصة، والمسؤولية الدينية والوطنية الآنية والمستقبلية، توجب علينا أن نجعل أرضنا عصية عن أن تتشرب مالا نريد، وأن يكون هناك توازن في النظرة وعدل في الحكم حتى ولو كان على أنفسنا.. إن الفرد في نظر الإسلام تقع على عاتقه المسؤولية الجماعية كما أنه مسؤول مسؤولية فردية مباشرة، وهذا يعني أن الإنسان ليس حراً فيما يفعل ويقول ويحكم، فهو ينتمي لدين يقدس الجماعة ويحترم حقها في التعبير، ويشهد على أنها لا تجتمع على ضلاله، وينتظم في منظومة أمة قاسمها المشترك الأول والأهم الدين، ويعيش في وطن هو قلب العالم الإسلامي وله تأثير قوي وفعال على بقية أعضاء الجسد، وفي عنقه بيعة دائمة لولي الأمر (ومن مات وليس في عنقه بيعه مات ميتة جاهلية)، ولذا لابد أن تكون هذه الدوائر بأسرها حاضرة في ذهن الإنسان وهو يمارس الضرب في الأرض، وإن جد عليه شيء، أو أشكل عليه أمر فالمرجعية واضحة ولا اجتهاد مع النص ولا قول بلا علم، ومن تحدث في غير فنه جاء بالعجائب.. وإلى لقاء .