Al Jazirah NewsPaper Thursday  10/09/2009 G Issue 13496
الخميس 20 رمضان 1430   العدد  13496
لهذا نحسد ونغتاب !
نادر بن سالم الكلباني

 

كلنا نعيش متأثرين بمجموعة عوامل، عوامل خارجية لا دخل لنا فيها، تتمثل في الناس من حولنا وما يحدثونه في واقعنا، وهذه القوانين التي تحكم حركتنا وتقيد انطلاقاتنا أحيانا، والظروف التي لم نخترها لكننا وجدنا أنفسنا نغوص فيها، والمواهب التي خلقت فينا، هذه وغيرها لابد وأن نتأثر بها سلباً وإيجاباً، فنتراجع أحياناً أمامها أو نقف عندها أو تدفعنا لتحقيق ما يتعدى ما كنا نأمله ونتوقعه، على أن هذه العوامل كلها على الرغم من كثرتها وتنوعها يمكن التعايش مع السلبي منها أو التكيف مع معظمها أوحتى تجاهلها، فعقل الإنسان على قدرة عجيبة للتكيف مع العوامل الخارجية رضوخاً أو سكوناً أو ثورة تظهر فيه أفضل ما عنده.

المشكلة الحقيقية أننا نتعب في التكيف مع مجموعة عوامل منبعها ومصدرها نحن، لا دخل للمحيط الخارجي بها، تتمثل في رغباتنا وأحلامنا وطموحاتنا، فهذه العوامل الداخلية هي السبب الرئيس في كثير من أمراضنا النفسية واختلال مشاعرنا، وهي المشكلات التي نبحث عنها لتؤرقنا دون أن نتمكن من التخلي عنها أو تجاهلها أو التكيف معها، فهي معنا في نفوسنا نحملها حتى في خلوتنا تقرع طبولها دون توقف، فتثير فينا القلق والندم والحسرة والخوف وربما الحسد والكره والأنانية، أو تتعدى ذلك لتصنع الشر فينا.

ما يزيد المشكلة تعقيداً، أن الإنسان الذي لا يملك الطموح أو الرغبة للوصول لغاية، لا يمكن لحياته معنى ومتعة وهو يسير دون هدف منشود فتتساوى كل الاتجاهات عنده، ولا أجد توصيفاً له غير أن أقول: إنه مسكين وإن استراح من كثير مما يتعب غيره، فقد أفقد نفسه متعة وحياة لا يشعر بها إلا من صرخ فيه طموحه وعارك ظروفه.

لكن التعيس حقاً من تكون طموحاته ورغباته أكبر من قدراته، فلا هو حقق ما يريد ولا سكت عنه تقريع طموحه له، فلا تجد نفسه غير أن تمتلئ بمشاعر تتعبها تنعكس على كل أوجه حياته، ومع الوقت لا يظهر من سلوكه إلا ما ينفر الناس منه، فالحسود مثلا ليس بالضرورة أن يكون أقل منك مالا أو وجاهة، لكنه يرى فيك طموحه الذي عجز أن يحققه ورغبته التي تزن عليه بلا توقف دون أن تساعده إمكاناته على تحقيقها وهي بكل تأكيد ليست المال أو الوجاهة، فلا تجد نفسه وهو يعلوك مكانة أو يفوقك مالاً غير أن يحسدك، وقس على هذا النمام والمغتاب وغيرهم ممن تراهم ظاهرياً يتميزون عنك بكثير مما تراه فيهم، لكنهم لا يتوقفون عن الغيبة والتفرقة بين الناس لأنهم عجزوا عن الوصول لطموحاتهم الحقيقية التي تبحث عنها نفوسهم لترتاح مما يتعبها.. والله المستعان.



naderalkalbani@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد