بغداد - نصير النقيب
أكد نائب رئيس الجمهورية العراقية طارق الهاشمي أن الانفجارات الدامية التي هزت بغداد يوم الأربعاء 18 من أغسطس الجاري واستهدفت وزارتي الخارجية والمالية شكلت خرقاً كبيراً في الملف الأمني ونكسة كبيرة. ورفض الهاشمي في الوقت نفسه الحديث عن المصالحة الوطنية خصوصاً بعد انفجارات الأربعاء التي أدت لمقتل 95 شخصاً وجرح المئات مؤكداً بأنه لا يوجد مشروع حاليا للمصالحة ومحذراً في الوقت نفسه من الوضع الأمني القادم. واعتبر الهاشمي أن العلاقات بين العراق ودول مجلس التعاون الخليجي متباينة نوعاً ما.. مشيراً إلى العلاقات مع الكويت وملف التعويضات معتبراً ما حدث نكسة للعلاقات. جاء حديث الهاشمي في حوار خاص مع (الجزيرة) فإلى ما يلي نصه:
* الجزيرة: التدهور الأمني الأخير والتفجيرات التي حصلت كيف ترى مستقبل الأوضاع أمنيا وسياسياً؟
- الهاشمي: ما حصل يوم الأربعاء الدامي يشكل خرقاً كبيراً في الملف الأمني وأعتبرها نكسة كبيرة لكني لا أتوقع أن نعود للمربع الأول والوضع الأمني المضطرب الذي كان سائداً عامي 2006 و2007، العراق عبر عنق الزجاجة ولا يمكن أن يعود إلى الاحتراب الطائفي الذي أمسى ظاهرة في العراق خلال السنوات المذكورة، أنا حزين للخسائر البشرية والمادية التي تعرض لها العراق خصوصا أن الهجمات طالت وزارتين سياديتين وسقط الكثير من الأبرياء بسبب هذه الهجمات البربرية الإرهابية اللا مسؤولة وأيضا أصابت أناسا أبرياء في دورهم السكنية في المناطق المحيطة بمنطقة الانفجار، العراق تعافى مما كان عليه الأمر عامي 2006 و2007 لكن الذي حصل يدق ناقوس الخطر فيما يتعلق بالملف الأمني ويستدعي المسؤولين لإعادة النظر بإدارة الملف الأمني جملة وتفصيلا خصوصا في بغداد وإعادة النظر أيضا بهيكلية القوات وهذا الأمر لن يتحقق إلا بتشكيل لجنة وطنية على مستوى رفيع تتمتع بالحيادية والنزاهة والكفاءة لتشخيص الذي حصل وبيان الجهة المقصرة وأن تضع التوصيات اللازمة لمنع تكرار هذا الذي حصل من أجل حماية العراق وأركان ومرتكزات الدولة العراقية والحفاظ على أرواح المواطنين.
أنا لا أريد ربط هذه المسألة بالجانب السياسي, اليوم ينبغي أن تنصرف جميع الجهود الوطنية من أجل إسعاف المصابين وإعادة هيبة الدولة العراقية، هذه الهجمة طالت العراقيين جميعا بصرف النظر عن انتماءاتهم وعلى هذا الأساس ينبغي أن يصطف الجميع خلف هذه المحنة الوطنية من أجل لملمة الجراحات ومعالجة الوضع الأمني على عجل ويمكن أن تعلق المشاكل والانتقادات والمماحكات السياسية في الوقت الحاضر لأن الهدف المركزي الآن هي الدولة هو المواطن.
*الجزيرة: الحكومة العراقية اتخذت بعض الإجراءات كان أبرزها تشكيل خلية أزمة، هل نحن الآن في أزمة لتشكيل خلية أزمة؟
- الهاشمي: أنا أذهب أكثر من ذلك، أنا لا أتكلم عن وضع متأزم أنا أتكلم عن خرق بالنسبة لي على ضوء استطلاعي لموقع الجريمة والأضرار التي حصلت في وزارتي الخارجية والمالية والأضرار التي أصابت المدنيين، الذي حصل يرقى إلى كارثة وطنية ويحتاج إلى لجنة وطنية تشكل على عجل تديرها لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب ويمثل مجلس الرئاسة ومجلس الوزراء فيها بأعضاء خبراء في هذا الموضوع لتحليل هذه الهجمة والتعرف على الجهات الضالعة فيها والأسباب والدوافع التي كانت وراءها وبعد ذلك التوصيات اللازمة لمنع تكرار المسألة في المستقبل.
الموضوع أكبر من موضوع خلية أزمة وأنا أرى أنه حتى تتجنب الحكومة أي نوع من الانتقادات قد تطالها في المستقبل لا ينبغي أن تكون هذه اللجنة جزءا من الحكومة إنما تكون ممثلة من جهات حيادية بعيدة عن الحكومة، مستقلة، وتتمتع بالنزاهة والمهنية العالية من أجل تحليل وتشخيص ما حصل
* الجزيرة: البعض يرى في زيارتكم لموقع الحادث ترويجا انتخابيا فما تعليقكم على ذلك؟
- الهاشمي: لو تم احتساب الأمر هكذا فهذا يعني أن كل ما قمنا به خلال الأربع سنوات الماضية هو يصب في مصلحة الترويج الانتخابي وكأننا بدأنا بحملتنا الانتخابية منذ أربع سنوات وهذا غير معقول، فماذا تقول عن زيارتنا للمعتقلات والسجون التي قمنا بها، وإطلاق مشروع المصاهرة الوطنية لإعادة لحمة الطوائف وإعادة الثقة بقوة الوحدة الوطنية وكتابة العقد الوطني، وإطلاق المشروع الوطني لإنهاء البطالة والإسهام في حل النزاعات العشائرية وزيارة المراجع الدينية ودور العبادة المختلفة ورعايتنا للأيتام والأرامل وعوائل الشهداء والمعتقلين، وإقامة مشاريع في جنوب العراق كبناء جسر في الناصرية، ومشاريع توزيع الماء الصالح للشرب في السيارات الحوضية وتكليف فرق طبية جوالة لتقديم الخدمات الطبية في المحافظات، واغاثتنا للزنجيلي، وتازة، والشعلة والصالحية، الاهتمام الكبير بشرائح الرياضيين والفنانين ورعاية مرضاهم تقديرا لما قدموه للعراق، ومشاريع الإغاثة للمهجرين في سوريا ومصر والأردن، وبعثات الدراسات العليا (مصر والأردن) وبعثات الدراسات الأولية لطلبتنا، وغيرها الكثير، وبالعكس من ذلك، فنحن ابتعدنا عن الترويج لأنفسنا كثيراً أيام انتخابات مجالس المحافظات حيث أجلنا بعض مشاريعنا وخطواتنا لما بعد الانتخابات كي لا تفهم كأنها جزء من الترويج الانتخابي. هذه النظرة غير موضوعية، تختزل العمل المنهجي لفترة كاملة ليبوب في الترويج الانتخابي، ولو بقينا ننظر للموضوع بهذا الشكل لانقطعت المروءة ولانقطع عمل الخير وإغاثة الناس والتواصل معهم والاهتمام بمشاكلهم خوفا من أن يفسر ترويجا انتخابيا، ونرجو من كل من يظن بنا ذلك أن يراجع كل أعمالنا التي قمنا بها خلال الأربع سنوات الماضية وكل الجهود المضنية للوقوف على الجد والمثابرة في كل نشاط قمنا به ابتغاء الله، ولسنا ممن يصحو من غفلته أيام الانتخابات، ليعد الناس ويمنيهم باحلام وردية.
* الجزيرة: دعوتكم لإنشاء صندوق الإغاثة لمساعدة المتضررين والتي دعمها مجلس الرئاسة، هل تلقيتم استجابات أخرى من الداخل أو الخارج؟
- الهاشمي: الاستجابة كانت طيبة من الداخل والخارج والعديد من الجهات كانت تنتظر تزويدها بالتفاصيل خصوصا ما يتعلق بعنوان ورقم الحساب المصرفي وهذه المسألة حسمت والحمد لله وصلتني ردود أفعال مشجعة للغاية من الداخل والخارج لمنظمات وشخصيات ودول تريد أن تتبرع لهذا الصندوق بالإضافة إلى ما تبرع به الاخ جلال الطالباني رئيس الجمهورية ونائبه عادل عبد المهدي من مبالغ كبيرة بالإضافة إلى المبلغ الذي تبرعت به شخصيا وهو 100 مليون دينار من حسابي الخاص حوالي (80 الف دولار تقريبا)، أنا متفائل جدا بردود الأفعال.
* الجزيرة: هل تتوقع أن تصل مبالغ كبيرة لهذا الصندوق بما يحقق تعويض المتضررين من جراء الهجمات التي طالت شقق الصالحية؟
- الهاشمي: أنا متفائل، لدي علاقات طيبة مع زعماء مجلس التعاون الخليجي والعالم العربي ولدي علاقات طيبة مع منظمة المؤتمر الإسلامي بالإضافة إلى العديد من المنظمات الإغاثية الدولية وقد خاطبت الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، حجم الدمار كبير وأنا آمل أن يوافق مجلس النواب على تخصيصات إضافية تتناسب وحجم الدمار الذي أصاب الحي السكني في الصالحية.
* الجزيرة: مشروع المصالحة إلى أين وصل؟ هل حقق نجاحات معينة؟
- الهاشمي: لا أود أن أتكلم في الجانب السياسي بعد الكارثة الإنسانية التي حدثت لكن وباختصار أنا لا أجد مشروعا عمليا للمصالحة حتى هذه اللحظة، ما حصل الأربعاء أوصل رسالة إلى كل السياسيين والزعماء أن الجميع مستهدف وأن الدولة العراقية مستهدفة وينبغي أن يعيد الجميع النظر في حساباتهم وفي علاقاتهم مع بعضهم البعض وأن يصطفوا خلف الثوابت الوطنية وأن يلتقي الجميع لتأسيس دولة مواطنة لا دولة مكونات، هذا المعيار الذي سيجمع العراقيين على قلب رجل واحد.
* الجزيرة: العلاقات مع دول الخليج هل تعتقدون أنها نضجت أو وصلت إلى مستوى الرضا ؟
- الهاشمي: العلاقات متباينة بين دولة وأخرى وهي ليست على نفس المستوى مع دول مجلس التعاون الخليجي، العراق وكما هو معروف تقدم بطلبات وأبدى استعداده ورغبته بإعادة العلاقات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية وحتى هذه اللحظة هنالك رغبة من دول المجلس لإعادة إحياء وفتح السفارات والتبادل السياسي. وبالنسبة لما حصل تحديداً بيننا وبين الكويت من ملف تعويضات وديون وخروج العراق من البند السابع أحدثت نكسة مؤقتة في العلاقات بيننا وبين الكويت وهي مؤقتة إن شاء الله من أجل غلق الملفات القديمة والانطلاق في علاقات متينة ورصينة متميزة تصب في صالح البلدين والشعبين الشقيقين، ما حصل سيكون سحابة صيف إن شاء الله وقد دعوت إلى تشكيل لجان مشتركة بين البلدين تراجع خلف أبواب مغلقة بعيدا عن صخب الإعلام وتفتح آفاقا جديدة وتضع العلاقات الثنائية على أعتاب مرحلة جديدة.