مما لا شك فيه أهمية الأمن للإنسان فالأمن أهم من الغذاء ومن الماء فنقصهما قد يقتل الإنسان ولكن انعدام الأمن يقتل أمة ومجتمعا.
ولقد ذكرنا رب العالمين عز وجل بأهمية الأمن في المجتمع في آيات كثيرة فمرة ربطه رب العالمين سبحانه وتعالى بالطعام مثلاً في قوله: {الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}..
ومرة أخرى ربطه الخالق عز وجل بالكفر والشرك وهما أعظم الذنوب ومع ذلك قدم رب العالمين الأمن عليهما مثلاً في قوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام. (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ). كل هذا يدل على أهمية الأمن وما توليه الشرائع السماوية خاصة الشريعة الإسلامية للأمن من أهمية قصوى فالأمن هو الطريق للبناء وللتنمية والحياة.
وعندما نطالع المجتمعات القريبة لنا نشاهد عجباً وأموراً تكدر وتزعج وترعب مثلاً نرى العراق الشقيق وشعبه يعيش منذ عقود حروباً طاحنة فلا يكاد يمر يوم بدون وقوع عشرات الضحايا ولا يسأل هل حصل تفجير أو قتل ولكن يسأل كم وأين. ابن العراق الشقيق يدفع ثمن انعدام الأمن بدمه الزاكي وللأسف يسقط العشرات يومياً بلا رقيب ولا حسيب.
وعندما تلتفت لجار آخر هو إيران تجد اضطرابات سياسية وهرجا وقلاقل وقد دخلت بلادهم في نفق مظلم يدفع المواطن البسيط قيمة هذه الفوضى من اقتصاده ودمه ووقته وراحته.
وعندما نلتفت جنوباً نشاهد إخواننا وأشقاءنا في اليمن في حرب مستعرة تأكل الأخضر واليابس وهذه الحرب سوف بلا شك ترجع البلاد عقودا كثيرة وتدمر اقتصادهم وتنميتهم حيث أن الصرف الآن موجه للسلاح فقط، ويدفع المواطن ثمن هذه المواجهات المسلحة من دمه ولقمة عيشه ومستقبل أولاده.
وعندما نلتفت غرباً نشاهد الإخوة في السودان في قلاقل وفتن سياسية ومناورات دول عظمى كل يريد قطعة من تلك الكيكة البائسة وكأنها غزال جميل اجتمعت عليه عدد من الحيوانات المتوحشة في الغابة كل يريد قطعة من جسد ذلك الغزال.
وجوارنا في الصومال الصورة تتكرر.. عنف وقتال ودماء وقتل للتنمية وامتهان لكرامة الإنسان واحتقار لآدميته والإنسان البسيط هو من يدفع ثمن تلك المهاترات الفاسدة والباطلة والمواطن الضعيف هو الضحية لذلك الدمار الذي مس جسده وأولاده وماله وصحته وعرضه.
وعندما نشاهد أخواننا في أفغانستان فالصورة أيضاً تتكرر بحياة بؤس وشقاء ودمار وحروب طاحنة وتحول مواطنيها وأهلها للاجئين في معسكرات لا تقيهم حر الصيف ولا صقيع الشتاء ولا تطفئ رمقهم بشربة ماء أو لقمة عيش ويعيش صغارهم كوابيس ودمار لنفسياتهم بسبب أدوار سياسية بائسة ومهارات دموية يدفع ثمنها الصغير قبل الكبير.
هنا نرجع لأصل الموضوع وهو أهمية الأمن والاستقرار في البناء والتنمية وهنا يتضح لنا قيمة الآيات الكريمة في كتاب ربنا عز وجل التي تتحدث عن الأمن أنه بأهمية الطعام وبخطورة الشرك والكفر.
وعندما نتذكر هذه الأسس القرآنية نتذكر بكثير من الفضل والعرفان كلمات الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن طيب الله ثراه ودوره في استتباب الأمن والاستقرار والهدوء في المجتمع والبعد عن المهاترات السياسية.
لا شك أن بلادنا حرسها الله بقيادة ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين حفظه الله تدفع الغالي والرخيص وسالت دماء زكية لحفظ نعمة الأمن والاستقرار والهدوء والسكينة فتلك أهم متطلبات التنمية التي يبتغيها الإنسان للانطلاق في التنمية الشاملة.
أن تقود السفينة في بحر هادئ فهذه أيسر بكثير من قيادة تلك السفينة في بحر من القتال والحروب والفتن مثل بلادنا هذه حفظها الله ودول الجوار التي تعيش حالة من الحرب والدمار والغليان بكل ما تعنيه الكلمة.
هنا يبرز دور الأمن ورجال الأمن والفكر الأمني في الحفاظ على مكتسبات هذه البلاد وتنطلق التنمية البشرية التي تشمل على سبيل المثال لا الحصر طريقا يسلكه المسافر بيسر وراحة وأمن وخدمات متوفرة ينتقل من شمال البلاد لجنوبها ومن شرقها لغربها، ومدرسة تعلم أولاده وبناته على الخير والصلاة يقوم بها ثقات لبناء عقولهم لمستقبل وطنهم وأمتهم، ومستشفى يعالج مريضهم بطرق احترافية علمية مجربة، لمكتب يؤدي الموظف عمله لخدمة مجتمعه لمسجد يناجي فيه المسلم ربه ويدعوه للمغفرة والرحمة.
ولكن مما يؤسف له عندما نطالع الجانب الآخر من الصورة ونطالع الجزء السفلي والمظلم والموحش عندما تحول عدد من أبنائنا وشبابنا لمراتع الإرهاب والفكر الضال يحاولون بكل ما أوتوا من قوة تقويض نعمة الأمن التي نستظل خلالها وتدمير تنميتنا التي تساعدنا في حياتنا اليومية، فعندما حاول عدد من أهل الفكر الضال تدمير مصفاة إبقيق يجب أن نعي جميعاً من الخاسر في هذه المعادلة والحقيقة أننا جميعاً خاسرون والكاسب الوحيد هو العدو الأجنبي الذي يتربص بنا وبوطننا الدوائر.
عندما ارتبط عدد من أولادنا بالإرهاب والفكر الضال وارتبطوا ارتباطات فكرية أيدلوجية بقوى أجنبية وبتجارة مخدرات لتمويل نشاطات الإرهاب الخبيث إنما الهدف هو لتدمير هذه البلاد المباركة بلاد الحرمين الشريفين واضعاف قوة الأمن وتدمير الاستقرار الذي نعيشه جميعاً.
هنا يجب أن نعترف أن هذا الإرهاب للأسف غير مرتبط بدعوى عدد من المنظرين للإرهاب بقولهم مثلاً ارتباطه بالفقر أو نقص التعليم فللأسف ظهر لدينا قلة من المهندسين وأساتذة الجامعات ممن لديهم فكر ضال.
الإرهاب كسلوك عدواني مرتبط أساساً بالفكر والأيدلوجيا وهنا أهمية الدور الفكري الفعال والواضح في معركة الإرهاب والذي يجب أن تقوده عدد من مؤسسات المجتمع المدني يبدأ بالأسرة ثم المسجد ثم المدرسة والنادي والحي وغيرها من المؤسسات التي تؤثر في التنشئة الاجتماعية للأفراد.
هنا أهمية البدء في حملة منظمة فكرية بعيدة من البهرجات الإعلامية تركز على الفكر وعلى مقارعته الحجة بالحجة والفكرة بالفكرة.
وهنا لابد من إشادة ببرنامج صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز للمناصحة والرعاية والذي يؤسس لهذا المبدأ العظيم فكرة الحوار مع الآخر والحجة بالحجة والفكرة بالفكرة (تعال أقنعني أو أقنعك).
يجب أن نؤسس في هذه البلاد لفكر واضح ضد الإرهاب يبدأ من الأسرة والمدرسة والمسجد فلهذه المؤسسات دور أساس في برمجة حياة الشباب.
فالأسرة لها دور أساس في حماية أبنائها من الإنترنت والفضائيات المنحرفة سلوكياً وفكرياً، وكذلك من أهم أدوار الأسرة الانتباه للآباء عند ملاحظة أي بوادر فكرية منحرفة مثل الكلام في نقائص بلادنا أو ولاة أمرنا وهنا يجب أن تبعد الأسرة نفسها من هذه المهاترات وتلتجئ بعد الله للجهات الأمنية والتي تملك الخبرة والدراية للتعامل مع هذه الحالات.
المدرسة كذلك لها دور أساس في حياة الشباب فهي تمثل المؤسسة الاجتماعية الاولى للشاب يستقي منها الخير ويجب فعلاً أن يكون خيراً ويجب ابعاد كل معلم لديه فكر ضال أو إرهاب فكري أو تكفير من المدرسة كذلك يجب على المرشد الطلابي التأكد من التجمعات الطلابية والرحلات الطلابية وماذا يحدث فيها، كذلك الجمعيات المدرسية المختلفة بحيث يتأكد أن لا تخترق هذه الجمعيات من إرهابي خبيث مدمر كذلك يجب الانتباه للأمور المالية جمعاً وصرفاً وأين تذهب الأموال ويجب أن يكون لوطننا وقت من أوقات اليوم الدراسي بكلمة أو قصيدة أو صورة أو دراما مؤثرة وذلك بشكل يومي.
والمسجد له أيضاً دور أساس في التعامل مع الإرهاب من خلال كلمات ومواعظ ودروس عن أهمية الأمن والاستقرار وخطر الجماعات المنحرفة وخطر تكفير المسلمين وحقوق ولاة الأمر وخطر فكر الخوارج وإبعاد أي إمام لديه توجهات أو أفكار ضالة.
وأيضاً من مسئوليات إمام المسجد إبلاغ الجهات الأمنية والتعاون معها في كشف أي بوادر فكرية منحرفة على أي من جماعة المسجد.
هنا لابد من وقفة للاعتراف بأن الإرهاب مرتبط أساساً بفكر وأيدولوجيا تدميرية خبيثة فاسدة قد تأتي من شاب بسيط استطاع إرهابي تجنيده أو من أستاذ جامعي مؤثر له وزنه في المجتمع يعمل كمعول هدم حيث انه ترك للأسف هدفه الأساس وهو خدمة وحفظ أمن وطنه وأصبح يجند الشباب لهذا الفكر ولذلك المستنقع النتن.
إذا يجب أن لا تغرنا المناصب ولا الأسماء فالفكر الإرهابي موجود ومتغلغل في عقول بعض شبابنا ومتعلمينا وليست الشهادة أو المنصب دليلاً للفكر النير، للأسف قد تكون الشهادة والمنصب تلعب أدوارا للتجنيد للموت والقتل والدماء فداء للفكر الضال والإرهاب وتضحية لقوى شر خارجية وحاقدة علينا وعصابات مخدرات همها وهدفها تدمير شبابنا وأمتنا وتنميتنا واقتصادنا.
كذلك يجب الحذر كل الحذر من أهل الإرهاب والفكر الضال حتى وإن أعلنوا توبتهم ورجوعهم للحق صراحة، فقد يكون ما زال حاملاً لذلك الفكر ويؤدي أدوارا خبيثة ومجرمة وحاقدة تريد النيل من هذا الوطن وولاة الأمر وما حدث لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية ببعيد عن هذا الموضوع فهؤلاء الإرهابيون يجب ألا يعطوا الثقة مطلقاً قبل التحقق والتأكد من منهجهم وطريقتهم وسلوكهم وفكرهم. فالإرهابي الخبيث يغير من جلده مثل الحية القاتلة بحيث يحاول الالتفاف والاستفادة من أي ثغرة أمنية حتى لو كانت على حساب طيبة وكرم ومروءة مسئول بالدولة وهذا ما حصل من الأمير محمد.
هؤلاء الإرهابيون يفتقدون للمروءة وأهم من ذلك يفتقدون إلى أهم مقومات الشريعة الإسلامية وهي حفظ الدماء والكرم والنبل وعدم الغدر حتى مع الأعداء، ولكن التاريخ يأبى إلا أن يرجع الإرهابي لأصله الخبيث المدمر والفاسد والقاتل والدموي والذي لا يراعي حرمة لا لشهر حرام ولا لكريم استقبله في منزله ولا لشريعة سماوية تحرم الدماء والقتل والفساد.
إذا مكان الإرهابي هو في مؤخرة الصفوف حتى يثبت صدقه ويجب ألا يعطى الثقة لأننا لسعنا من هذه الحياة الخبيثة القاتلة والنجسة أكثر من مرة وآن لنا أن نتعلم الدروس لأن الإرهابي يغير استراتيجياته بشكل دائم فيجب علينا أيضاً كرجال أمن لهذا الوطن الكريم أن نسبقه باستراتيجيات الحماية والتخطيط الأمني المسبق لنكون أقرب بخطوة نسبق بها الإرهاب وأهله، وهنا أهمية العمل الإستراتيجي البحثي الجاد في شخصيات هؤلاء القوم لنتقي شرهم ولنحفظ بمشيئة الله وقدرته أمن هذا الوطن الكريم تحت قيادته الراشدة بقيادة سيدي خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني حفظهم الله ورجال أمننا البواسل ومواطنينا الشرفاء في حرب هذه الفئة الضالة الفاسدة.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.
*أستاذ علم الإجرام والجريمة المشارك والمتخصص في قضايا الإرهاب
جامعة القصيم مستشار أمني