الكل سمع تفاصيل تلك المكالمة الهاتفية التي درات بين الأمير محمد بن نايف والخائن عبد الله عسيري الذي قابل الإحسان بالغدر والإساءة؛ فلم تثنه تلك العبارات الأخوية الصادقة من الأمير عندما استرسل في سؤاله عن شقيقه وأسرته وأحوالهم عن المضي في طريق الفجور والجور، فكان الأمير يحس بمشاعر الأب المكلوم والأم المفجوعة يترجم لنا ذلك بوضوح قوله : (هذولا وأنا أخوك لهم أهل فلا بد تراعونهم قبل كل شيء انتبه عليهم تراهم عندي أهم منكم أقولها لك بصراحة..)، فلم تجد تلك الألفاظ الرنانة التي وجدت مكاناً في نفوس ملايين الناس طريقاً سالكاً في أذن ذلك الشاب الذي تلبسَّه الشيطان فكان ينطق بقوله ويفعل بفعله.
لم تكن محاولة الاغتيال التي تعرض لها مساعد وزير الداخلية حائلاً دون وصول أولئك التائبين إلى بابه المفتوح أو عذراً لتغيير طريقة تعامله معهم أبداً، بل كانت دافعاً لمزيد من العمل والجهد في هذا الميدان الخطير.
كانت المفاجأة كبيرة عندما تلقى والد المنتحر حسن عسيري اتصالاً هاتفياً من الأمير محمد بن نايف يعزيه في مصابه الجلل بعد العمل المشين الذي ارتكبه ابنه في حق دينه ووطنه، فلم تغب عنه مشاعر الأبوة في أقسى الحالات وأعصاها؛ فاتصل مواسياً لمن طاله شره، كل ذلك يأتي تكريساً لمبدأ: (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، وأنه لا يمكن أن يُؤخذ مواطن بريء بجريرة ابنه أو أخيه، فهذه هي أخلاق الفرسان أيها الأمير.
اللافت في حوادث الإرهاب الانتحارية أن من يقوم بها هم شباب في مقتبل العمر فلم يسبق أن سمعنا عن شخص قد أتم الأربعين من عمره قام بعمل انتحاري؛ الأمر الذي يدل على أن هذه الفئة من الشباب مغرَّر بها، ويأتي هذا التغرير بأسلوب غير تقليدي الأمر الذي يتطلب وجود نوعية من المختصين لديهم قدرة عالية على الإقناع وعلى فهم نفسيات أولئك المغرّر بهم ودوافعهم التي ساقتهم لفعل مثل هذه الأعمال المشينة التي تخالف العقل والدين وهذا ما نظنه في أعضاء لجنة المناصحة.
كانت الصفعة التي وجهها المطلوب فواز الحميدي العتيبي لتنظيم القاعدة قوية عندما بادر بتسليم نفسه في هذا التوقيت الحساس إيماناً صادقاً منه بعدل وأريحية القيادة الحكيمة، وتأتي هذه المناسبة في الوقت الذي يتصور فيه رؤوس الخراب زعماء تنظيم القاعدة أنهم سيخلقون حاجزاً بين التائبين من أفراد التنظيم والقيادة ولكن السحر انقلب على الساحر، حما الله بلادنا وقادتها من كل شر.