Al Jazirah NewsPaper Thursday  10/09/2009 G Issue 13496
الخميس 20 رمضان 1430   العدد  13496
الأمير محمد بن نايف يعزي ويواسي والد المنتحر !!

 

مادة صحفية مميزة في جريدة الجزيرة اليوم (15 رمضان 1430هـ / 5سبتمبر 2009م)، وهو لقاء مع والد المنتحرعبدالله عسيري الذي كان يستهدف اغتيال الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية في الأسبوع ما قبل الماضي.

اللقاء المنشور خبر عنه في الصفحة الأولى وتفاصيله في الصفحة الثانية، جاء مليئا بالمعاني والأبعاد. وله دلالات ومؤشرات عميقة. وقد ورد في مضمون المقابلة معلومة في غاية الأهمية، والمثير للدهشة أن المعلومة لم تبرز في العنوان حتى ولو كانت الجزيرة أبرزته في عنوانها الرئيس في اليوم السابق على خبر قصير.. رغم أنها برأيي هي أهم وأبرز ما جاء في اللقاء. والمعلومة هي اتصال الأمير محمد بوالد المنتحر ليعزيه في (وفاة ابنه).. هذا ما تحدث عنه باستفاضة والد المنتحر. يعني الرجل المستهدف بالقتل من شاب ملأ الحقد قلبه، أو لنقل غيب الأشرار عقله، يتصل ليعزي في موت من كان ينوي إغتياله؟!

أي إنسانية تلك؟!

بالنسبة لي ولنا جميعاً السعوديين لم نستغرب هذه الإنسانية ولا التصرف من الأمير محمد، هذا ما تعودنا عليه من قيادتنا، بدءاً من رأس الهرم (الملك) إلى أصغر مسؤول في الدولة خاصة من الأسرة المالكة.

واستحضرت لحظة قراءة الخبر في صحيفة الجزيرة طريقة تعامل المسؤولين في بلاد أخرى.

وقلت ماذا لو حدث أن قام إرهابي بتفجير نفسه قاصداً اغتيال رمز من رموز أي دولة خصوصاً في بلادنا العربية: هل سيتقدم المستهدف بتعزية أهل المنتحر ومواساتهم وتطمينهم أنهم لايؤاخذون بجريرة إرتكبها فرد منهم؟

يا الله..حدث يهز الأبدان.. والتعامل ضده بقمة الإنسانية والعطف واللطف.. تصرفات مسؤول يخاف على أبناء الوطن ويراعي مشاعر المواطنين.. مؤشر عميق على منهج القيادة في هذه البلاد خدمة المواطن وراحته ومساعدته على أن يعيش آمناً مطمئنا لايكدره شيء.

أعتقد لوحدث هذا - كما حدث في بعض البلاد - لوضع أفراد الأسرة في السجن، بل ربما يتم إلغاؤهم من الوجود، ومسح كل من له ارتباط بالمجرم من وجه الأرض.

لكن هنا في السعودية.. الوضع يختلف تماماً.

بودي قبل الاسترسال أن أقتطع أهم جزء مما نشرته صحيفة الجزيرة من اللقاء مع طالع عسيري والد المنتحر عبدالله..

يقول في حديثه لصحيفة الجزيرة:

(نحمد الله على سلامة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية من محاولة الاغتيال الآثمة التي أقدم عليها ابني عبدالله بدعم من أعداء الوطن فوالله إنني لم أصدق أن ابني عبدالله يقوم بهذا العمل الخطير خاصة وأنه معروف عنه العطف والطيبة وكان هادئاً مطيعاً ولكن غرر به أعداء الوطن والسعوديون وأصبح معول هدم.

عبدالله يبلغ من العمر ثلاثة وعشرين عاماً وكان يدرس بكلية المعلمين بالرياض تخصص شريعة، وقبل ثلاث سنوات لاحظت أفكاراً غريبة عليه فقمت بتسليمه للمباحث بعليشة وبعد ذلك لم أسمع عنه إلا بعد هذا الخبر المروع والخطير ولكنني أستغرب أشد الاستغراب فكيف لشاب خلوق هادئ الطباع معروف عنه حب الخير ومساعدة الناس وبقدرة قادر يقتل نفسه بالنار ويستهدف رجلاً يسهر الليل والنهار لخدمة وطنه ودينه وولاة أمره؛ فنعمة الأمن لا تقدر بثمن ونحن نعيش رغد عيش وأمن يصعب أن يجدها غيرنا.

وقال الشيخ عسيري: تلقيت أمس الأول اتصالا من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية وقدم تعازيه في وفاة عبدالله وكان نعم الرجل القيادي بالرغم من المحاولة الخطيرة التي تعرض لها سموه، ولكن قابلها -حفظه الله- بالتسامح حيث قدم لي وزوجتي وأبنائي التعازي بما حل بنا من مصيبة جراء العمل المشين الذي ارتكبه عبدالله في حق دينه ووطنه. وسأل سموه أن يلهمنا الصبر والسلوان مؤكداً سموه عبر الاتصال الهاتفي أن الدولة لا تأخذ المواطنين بجريرة ما يرتكبه أبناؤهم وأنها دوما تفتح أبوابها لكل من لديه رغبة العودة لطريق الحق والصواب مشيراً سموه إلى أن توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز تقضي بالتعامل الحسن والمثالي مع جميع العائدين إلى جادة الصواب.

وأضاف المواطن عسيري: إن اتصال الأمير محمد بن نايف خفف من حزننا بكرمه واتصاله علينا مشيراً إلى أنني طلبت من سموه أن أقوم بزيارته وتهنئته بالسلامة، ولكن الأمير أكد لي أنه سوف يتواجد بمدينة الرياض بعد أسبوع وسوف يطلبني وحقيقة غمرني سموه بكرمه وعطفه وحلمه.

وقال الشيخ حسن عسيري: إن ما فعله عبدالله وإبراهيم أصابني بحالة نفسية سيئة للغاية أنا ووالدتهما فكان من المفترض أن يجاهد ابني على متابعتي ووالدتهما حيث العمر كبر ولا نستطيع التحرك وقضاء متطلباتنا إلا بمساعدة أبنائنا، ولكن -للأسف- أغوى الشيطان عبدالله وإبراهيم وشقا عصا الطاعة وسلكا طريقا دخيلا على الإسلام والمسلمين.

وبين عسيري بقوله: والله إنني لم أرتح طوال الثلاث سنوات الماضية بسبب ما فعله عبدالله وإبراهيم.

وتساءل الشيخ حسن عسيري قائلاً: ماذا أفعل؟ لتكون أنت والمواطنين في مكاني ماذا أفعل لأعيد ابني إبراهيم لجادة الحق والطريق الصحيح يا إخواني المواطنين أرجو أن تقدروا ظروفي ما فعله ابني عبدالله لا أحد يرضاه أبدا، وكذلك إبراهيم الذي ما زال فارا عن عيون العدالة.

وقال عسيري: إنني عملت في خدمة وطني (38 عاماً) في القوات المسلحة وعملت في أكثر من منطقة بمناطق المملكة طاعة لمسؤولي ولخدمة وطني وولاة أمرنا ولم يصدر مني أي عقوق ضد الوطن والمواطنين ولكن نحمد الله على قضائه وقدره.

وقال الشيخ عسيري: لدي الآن ثلاثة من الأبناء أكبرهم محمد فهو يقوم على رعايتي أنا وأمه وإخوانه ونتمى من الله أن يهدينا ويصلح لنا ولكم الذرية.

وكرر في ختام حديثه قائلاً: أعتذر لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية ولخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين ولصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز النائب الثاني وزير الداخلية ولجميع أفراد الأسرة الحاكمة ما بدر من عبدالله وهذا العمل لا يرضى به الجاهل قبل العاقل، وأردف قائلاً: يا إبراهيم اتق الله فينا وفي نفسك، حرمتمونا النوم والسعادة في الدنيا، نظرات الناس تحرق قلوبنا.. ارجعوا لجماعتكم وأهليكم ولمسؤوليكم لا تتركوا الشيطان وأعوانه يلعبون بكم تكفون راعوا كبر سني ومرضي). انتهى

وفي تحليل سريع لأبرز مضامين اللقاء..

ارتياح أسرة المنتحر بعد اتصال الأمير. كما أن حديث الأمير محمد عمق البعد الإنساني والوطني في نفس أهل المنتحر، وأضاف اليهم مسؤلية المشاركة الوطنية في حماية الوطن.

طبعاً.. تعزية الأمير محمد في موت شخص كان يستهدفه بالاغتيال رسالة قوية، ودرس إنساني وأخلاقي من النادر أن يوجد له نظير في التاريخ. وتأكيد لجميع الشباب ممن انجروا وراء الأعداء، أن بلادهم لازالت الحضن الدافئ الحنون.

تصرف الأمير محمد مع أسرة المنتحر هو منهج تربوي إنساني يستهدف أولا وأخيراً الإصلاح، ويؤكد حرص القيادة في هذه البلاد على سلامة وراحة وطمأنينة جميع المواطنين، وأن الجميع باختلاف مشاربهم ونحلهم ورغباتهم وفكرهم هم محل اهتمام ورعاية الدولة. وأنهم جزء من نسيج هذا الوطن حتى ولو شذ أحد الأفراد من أي أسرة. والتأكيد أن المواطن في هذه البلاد في داخله دائماً بذرة خير يجب إحياؤها ووطنية يجب إشعالها، وولاء للوطن يجب إظهاره، وحب للحياة والتسامح يجب إبرازه.

الرسالة الأهم: أن الحكم في هذه البلاد قائم على المشاعر الودية والحب والولاء المتبادل الصادق.

وكان بإمكان القيادة أن تتخذ منهجاً آخر، كما هو حال كل بلاد الدنيا، بقمع المجرم وتجريم من هو وراء المجرم أو تساهل في تربية المجرم.. لكن.. لأن السعودية تقوم على منهج يراعي الإنسان أولا وأخيراً، وهو المنهج الإسلامي الصحيح. وهذا المنهج لايحمل إنسان جرم إنسان آخر قريب أو بعيد، وأن المسؤلية مشتركة.

والرسالة التي تؤكد عليها مهاتفة الأمير في عزائه لأهل المنتحر هي إحياء مشاعر الوطنية، وإحياء المشاركة في الهم الوطني، فالجميع تحت سقف واحد وعلى الأسرة دور أكبر في متابعة الأبناء، وعلى القيادة دور أن تكون قريبة من وجدان المواطن.

من جانب آخر.. أقرأ بين الأسطر من حديث طالع تأنيب الضمير، وكأنه أراد ان يقول أنه قام بمسؤلياته من أجل تربية أولاده تربية صالحة في مدارسنا ووفق مناهجنا وعاش في مجتمعنا.. فقد أدخل ابنه عبدالله كلية المعلمين تخصص شريعة.

طبعاً لايريد القول أن المجتمع كله مهيأ ليلتقطهم الأعداء لتنفيذ مؤامراتهم الشريرة.

وأشار إلى نقطة في غاية الأهمية وهي أنه عندما لاحظ أفكاراً غريبة عليه قام بتسليمه إلى المباحث في عليشة. الرجل أراد أن يرد على من اتهموه بالتقصير في تربية ابنائه أو متابعتهم.

فقد علمهم في مدارسنا.. وكان طيباً. وعندما شعر بخطورة أفكاره سلمه للجهة الأمنية..

وطرح سؤالا حزيناً ولكنه مهم للغاية عندما قال: (ماذا أفعل لأعيد ابني إبراهيم لجادة الحق والطريق الصحيح؟).

و برأيي أن المعاني المستنتجة من حديث أب مكلوم، بدون أن يحسب حساب لكلماته في اللقاء التي جاءت عفوية، هي معاني عميقة، ولها دلالات يجب أن تؤخذ في الاعتبار.

فبالإضافة إلى أهم درس في الموضوع وهو اتصال الأمير محمد بن نايف معزياً ومطمئنا أسرة المنتحر.

الدرس هنا مع الحدث يجب أن لايمر دون الإستفادة الكاملة منه:

بدءاً من طريقة وأساليب التعامل الأمني مع المجرمين أو ممن لديهم أفكار هدامة.

وبرأيي الأهم: مراجعة شاملة لسياسة التربية والتعليم. فالتربية والتعليم في المدارس هي البذرة الأساسية لتكوين فكر المواطن.. فإما مجتمع مفكر قادر على معرفة الخير من الشر، عصي على الأشرار، قريب من الوطن وخير الوطن وقيادة الوطن..

التعليم ثم التعليم ثم التعليم.. دائماً وأبداً.. ومعه التربية الصحيحة.

الرسالة الأخيرة هنا موجهة إلى إعلامنا: علينا أن نعيد دراسة الإستراتيجية الإعلامية بشكل سريع ونعيد التخطيط وتنفيذ منهج صحفي قائم على التحليل للحدث، وأن لا نكتفي بنقل الحدث فقط.

هنا في اللقاء استطاع الزميل سعود الشيباني أن يخرج من والد المنتحربحديث مهم جداً يخاطب الوجدان. والحديث شمل عناصر في غاية الأهمية، كل منها حالة انفراد للصحيفة.

- حديث الرجل عن اتصال الأمير محمد وردة فعل الأب المكلوم.

- تحديده لشخصية إبنه المنتحر وتعليمه.

- قدرة الفكر الضال على اختراق عقول أبنائنا بسهولة.

- حيرة الأب في واجباته.. فقد علّم ابنه وأراد له أن يكون معلماً.

- سلم ابنه للمباحث عندما شعر بتغير فكره.

- سؤال الأب العاجز: ماذا يفعل ليعيد ابنه الآخر إلى جادة الحق والطريق الصحيح؟

عبدالله العميرة



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد