بداية أتوجه بالحمد لله والشكر له سبحانه وتعالى أن منَّ علينا بسلامة سيدي صاحب السمو الملكي الأمير المحبوب محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية من محاولة الاعتداء الأثيم على سموه، فنحمده عزّ وجل أن ردَّ كيد الكائدين، وأبطل مكر الماكرين وسلَّم الأمير محمد من هذه المحاولة الطائشة اليائسة المنكرة، وحفظ للبلاد أحد أهم رموزها الساهرة على حفظ الأمن، فقد كان ذلك الاعتداء يعد حادثاً تاريخياً مفصلياً في تاريخ المملكة له ما بعده وهو كذلك في سلم أوهام التنظيم السياسي المستغل للدين تطلعاً إلى السلطة.
فمنذ عقد من الزمان وبعد أن استشرى فيروس الإرهاب في العالم وبلادنا سطع نجم أميرنا المحبوب محمد بن نايف باعتباره رجل اللحظة، فما فتئ يفكك مخططات الإرهابيين ويوجه لهم الضربات الاستباقية التي داهمتهم في الصميم، أما على المستوى الميداني فقد كان حفظه الله في قلب المعركة وفي خضم المعمعة يقف على كل صغيرة وكبيرة في هذا الملف المشين (ملف الإرهاب).
وعلى المستوى الإنساني كان الأنموذج الأذكى في أنسنة العدو الذي لم يأت من بعيد، بل خرج من بين ظهرانينا بعد أن فخخ قادة التنظيم الإرهابي أدمغتهم وحولوا أجسادهم إلى وقود لمعركة باطلة، ونراه يفتح على المستوى الفكري باب المكاشفة والمصارحة، فجاءت المناصحة سبيلاً جديداً لاستعادة سبل الرشاد بعد وقت ضاع في الغي والفساد.
إن هذه المحاولة الغادرة الآثيمة كشفت لذوي الألباب أموراً كثيرة، والمتأمل لأبعادها سيجد عدداً من الدلالات التي يمكن أن توحي بها هذه الحادثة منها:
أولاً: لم يكن مفاجئاً في الحقيقة أن يستهدف هذا التنظيم صاحب السمو الملكي سيدي الأمير محمد بن نايف؛ لأنه بالإضافة إلى ما سبق فهو الذي وقف في قلب الحدث ليكشف عن رؤوس الشر في قائمة الـ 44 التي خلعت القناع عن جذور ورؤوس ومكامن تمويل وآليات تفكير ووسائل عمل وتقنية الإرهابيين في جولتهم الأخيرة والخاسرة، لهذا لم يكن مستغرباً أن تشمله العناية الإلهية برعايتها وتحفظه وتصونه من كل شر، فلله الحمد والشكر.
ثانياً: تكشف هذه الحادثة عن أنَّ الأمير محمد بن نايف كان من أقرب الناس إلى الراغبين في التراجع من الخارجين، وكان يقف إلى جانبهم بالوقت وبالمال وبالثقة وبالحرص على أن يكونوا عاملين من داخل الوطن، فأبواب النصح مفتوحة بما في ذلك الحاد منه والسلبي أحياناً، وطالما أنَّ البيت واحد فلكل واحد ما يكفل له حقه في العمل وفي الإصلاح وفي النصح، وما كان استغلال هذا الموقف على النحو الذي جرى إلا صورةً من أقبح صور الغدر الذي لا يرتضيه دين من الأديان ناهيك عن الإسلام الدين الحق، ولا يليق بصفات الرجال ناهيك عن الذين يريدون أن يثبتوا أنهم هم الرجال وهم القائمون على التغيير!.
ثالثاً: هذه المحاولة كشفت عن اليأس والضيق الذي وصلت إليه هذه الفئة المنحرفة، وشدة الحصار الذي أثر عليها، فمن المؤكد أن هذه الفئات الإجرامية ما لجأت إلى هذا الأسلوب إلا حينما شعرت أنها محاصرة من كل الجهات، ولذا فقد قادهم هذا اليأس إلى محاولة اغتيال الأمير محمد بعدما ضيق عليهم الخناق، ووجَّه لهم عدة ضربات استباقية جعلتهم يترنحون ويجرون أذيال الهزيمة والعار.. وطبيعي أن تلجأ هذه الفئة المجرمة إلى هذا الأسلوب الإجرامي المشين طالما دبَّ اليأس في قلوبهم وهم يرون هذا التضييق والحصار عليهم من جميع الجهات، وطالما شعروا بأنَّ نهايتهم باتت وشيكة بإذن الله بقيادة هذا الأمير الشهم الشجاع.
رابعاً: ومن جهة أخرى فهذه الحادثة الشنيعة تكشف عن ارتفاع شراسة هذه الفئة، وتخطيها لكل الحدود، وغليانها الذي أفقدها الصواب، وتغلغل الرغبة لديها في الانتقام، وانحصار فكرها ومنهاجها على التكفير والقتل، وتلخيص توجهها في الرشاش والمدفع والتفخيخ، وهو أمر لو كتب له أن ينجح -لا قدر الله- فسوف يصل إلى الأمراء والعلماء والدعاة والقضاة وجميع الأشخاص الذين يرفضون هذه الممارسات الشنيعة وما يضارعها من فكر وتوجه، يخالف ما عليه علماء ودعاة هذه البلاد.
خامساً: إنَّ محاولة الاغتيال الآثمة التي تعرض لها رمز كبير من رموز الوطن والنظام تحتم علينا أن تكون إستراتيجيتنا القادمة هي الاستمرار في بناء وطن لا يقبل الانشقاق ولا المزايدة ولا الغفلة، وذلك عن طريق الإعلان عن أن الهدف سياسي سلطوي، ونحن حين نفعل ذلك فإننا نضع الجميع أمام حقيقة ساطعة ليعلمها من جهلها وليدرك من تجاهلها أننا نعلمها ونعرفه وحين نوضح أن الوسيلة هي الدين استغلالاً وانتهازاً، فإننا نضع الجميع -أيضاً- أمام حقيقة تاريخية مستمرة متشامخة، وهي أن المملكة العربية السعودية هذه البلاد الطاهرة دولة إسلامية، وأنَّ المزايدة على الإسلام والمسلمين في بلد الإسلام بأي صورة من صور المزايدة، وسواء كانت جهلاً أو قصداً، ومهما كانت مبرراتها، فهي مزايدة تصب في نهر تأجيج نار الإرهاب التي تستغل الدين لتحقيق هدف سياسي.
سادساً: لابد أن ندرك أنَّ استمرار التعامل الوطني العام وخاصة في ميدان المواجهة الفكرية مع التنظيم والمخدوعين به على أساس ديني إنما يخدم التنظيم، ويصرفنا عن الإستراتيجية الأفضل لتشخيص هدفه المدمر وكشفه، وبالتالي فهو يمنح التطرف والتشدد المغذي للتنظيم فرصة الاستمرار والنمو، لذلك فإنَّ مظلتنا الوطنية واضحة، وهي جامعة مانعة، بثوابتها الثلاثة، الإسلام القويم، والأسرة المالكة، والوحدة الوطنية، وهي ثوابت تقتضي ألا نسمح مطلقاً لأن يكون أيّ واحد منها محل مزايدة أو مجالاً لخلاف أو ميداناً لاستغلال.
سابعاً: هذه المحاولة سوف تملأ قلوب أصحاب هذا المنحى بمزيد من الحقد والضغينة؛ لأن وسيلتهم قد فشلت بعد أن انكشفت، وقد كان أقصى ما يطمحون إليه إيذاء اليد التي كانت ممدودة إليهم بالمعروف وبالإحسان، ولكن المحاولة نفسها يجب أن تكون حافزاً على مزيد من الوضوح في مقاومة كل تطرف في الفكر وفي السلوك، لأن المتطرف لا يرى إلا من يتفق مع ما هو فيه، ولذلك فكثير من الذين عادوا من التطرف لم يرجع كثير منهم إلى الاعتدال بل إلى تطرف عكسي آخر أشد تفريطاً وأكثر إيغالاً في طمس تلك الصورة الحادة الكئيبة التي ظهروا بها من قبل.
نحمد الله العلي العظيم على سلامة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف حفظه الله، وأدام عليه نعمة الأمن والأمان والصحة والسلامة، وجعل الله ما لقيه في ذلك في موازين حسناته إنه سميع مجيب.
عمر بن عبدالعزيز المحمود
المحاضر بكلية اللغة العربية قسم البلاغة والنقد
- جامعة الإمام الإمام محمد بن سعود الإسلامية