على موقع (الإخوان المسلمين) في الإنترنت نُشرَ خطاب يُهنئ فيه (مهدي عاكف) المرشد العام للإخوان سمو الأمير محمد بن نايف على نجاته من محاولة الاغتيال، وأغفل المرشد في الخطاب - كما هو ديدن الجماعة - إدانة العملية الإرهابية التي قام بها (المنتحر)، فلم يشر إليها إطلاقاً. هذا التكتيك أحد (ثوابت) خطاب الإخوان السياسي الذي لا يَحيدون عنه إلا في حالات ضيقة ومعدودة، عندما (يُحشرون)، وتستدعي الضرورة الشجب، فيشجبون ذراً للرماد في العيون.
وهذا ما كان يصرح به علناً، وعلى رؤوس الأشهاد الإخواني (صلاح الصاوي)؛ ففي كتابه (الثوابت والمتغيرات في مسيرة العمل الإسلامي والمعاصر) يُنبّه الأتباع والكوادر إلى: (عدم التورط في إدانة الفصائل الأخرى العاملة للإسلام إدانة علنية تحت شعار الغلو والتطرف، مهما (تورطت) هذه الفصائل في أعمال تبدو منافية للاعتدال والقصد والنضج).. ويواصل: (ولا يبعد القول بإن مصلحة العمل الإسلامي قد تقتضي أن يقوم فريق من رجاله ببعض هذه (الأعمال الجهادية)، ويظهر النكير عليها آخرون)!
والإخوان المسلمون من داخل الجماعة لهم توجّهان: (البناؤون) نسبة إلى حسن البنا، و(القطبيون)، ومنظرهم سيد قطب؛ البناؤون يقومون بالعمل السياسي (الناعم)، والقطبيون (تكفيريون) يؤمنون بالعنف والإرهاب والتغيير بالقوة؛ يقول (علي عشماوي) في كتابه: (التاريخ السري للإخوان) في حديثه عن إحدى زياراته لسيد قطب: (وجاء وقت صلاة الجمعة فقلت لسيد قطب دعنا نقم ونصلي وكانت المفاجأة أن علمتُ - ولأول مرة - أنه لا يصلي الجمعة، وقال إنه يرى أن صلاة الجمعة تسقط إذا سقطت الخلافة وأنه لا جمعة إلا بخلافة). معنى ذلك أنه يرى أنْ لا جمعة ولا جماعة وبالتالي - وهذا هو الأهم بالنسبة إليه - (لا طاعة) عندما تغيب دولة الخلافة؛ وهي ذات الحجة التي يرفعها التكفيريون الجهاديون اليوم.. ومن الجدير بالذكر في هذا السياق أن (محمد قطب) شقيق سيد قطب وشريكه في ذات الأيديولوجيا، وكذلك (صلاح الصاوي)، عملا في بلادنا؛ فالأول كان يُدرِّس في (جامعة أم القرى) بمكة المكرمة، والثاني عمل في (رابطة العالم الإسلامي)؛ ومازال مريدوهم، أو بلغة أدق: (أفراخهم) في المملكة، يعملون بكل جهد ونشاط على ذات المنوال الذي خَطّهُ لهم أساطينهم الحركيون. ولا يختلف (الإخونجية) في هذا التوجه عن زملائهم (السروريين) في التعامل مع الأحداث الإرهابية؛ فهؤلاء وأولئك وجهان لذات العملة في التحليل الأخير.
ربما الإخوان، وكذلك السروريين، لا تربطهم بالتكفيريين الجهاديين أية علاقة تنظيمية في الوقت الحاضر، إلا أنهم يعتبرون أنفسهم في العمل السياسي جسداً واحداً، أو كتلة فكرية وثقافية يَشد بعضها بعضا؛ فهم على مستوى المرجعية الحركية ينهلون من ذات المعين؛ وإن اختلفوا في وسائل العمل الحركي للوصول إلى الأهداف.. (فعنف) القاعدة يصب في مصلحة الإخوان معاً، كما أن عمل الإخوان، وأيضاً زملائهم (السروريين)، السياسي، والدعوي، والإعلامي، وكذلك (التربوي والتعليمي) الذي هو مُعضلتنا الكبرى، يستفيدُ منه الجميع، بمن فيهم الحركات الجهادية ومنها تنظيم (القاعدة).
والإخوان يُدركون أن القاعدة، وسائر حركات العنف الإسلاموي، حركات (دوغمائية)، ذات عقل متحجر، لا يؤمن إطلاقاً ب (الاختلاف)؛ كما أنهم يدركون - أيضاً - أن مصير هذه الحركات الدوغمائية الفناء والتلاشي، كما هي الصيرورة الحتمية لهذا النوع من الحركات التي عرفها التاريخ، غير أنهم من خلال (لم آمر بها ولم تسؤني) يوظفون مثل هذه الأحداث (بانتهازية) لتصب في مصالحهم السياسية؛ فهم والحركات التكفيرية (الإرهابية) أشبه ما يكونون بكيان (حركي) واحد يتفرع منه جناحان: جناح عسكري يقوم بالأعمال الإرهابية، والاغتيالات، وجناح سياسي (يقطف) الثمرة على المستوى السياسي.
لذلك فإن عدم إدانة المرشد العام للاغتيال لا يُثير أية غرابة، فكلٌ في فلك واحد على ما يبدو يسبحون. إلى اللقاء.