لم يتخلص المجتمع بعد من صدمة محاولة الاغتيال التي استهدفت مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية في مطلع الشهر، ومازالت الذاكرة مدماة يخالطها مشهد الأشلاء والدماء والمكر المبيت في رمضان الذي أرادوه نقلة.
المتأمل عن كثب لتلك المشاهد سرعان ما تحاصره وتنهمر عليه تداعيات تاريخية حول الأخبار والروايات المتعلقة بفرقة (الحشاشين) الانتحارية، تلك الأخبار التي داخلها الكثير من الأساطير والروايات الموضوعة التي يختلط فيها الواقعي مع الخيالي.
وظلت تلك الفرقة التي كانت تقبع في قلعة (إلموت) فوق جبل في منطقة ديلم (إيران اليوم) بأخبارها الغامضة وسلالتها الشريفة تثير فضول الباحثين وتلهب خيال الكتاب والمبدعين، كرواية سمرقند لأمين معلوف الحائزة على جائزة (جونكور) الفرنسية.
العديد من تلك الأخبار والروايات حول الفرقة دونت في فترة الحروب الصليبية مما أضفى عليها طابع التجييش الفكري والعاطفي وأحادية المصدر على حساب الموضوعية، وهو الأمر الذي حاول المستشرقون لاحقا أن يتفادوه في تتبعهم أخبار هذه الفرقة عبر مصادرها الشرقية.
ارتبط اسم الفرقة بحسن الصباح الذي عاش في القرن الثاني عشر الميلادي، وكان هو المؤسس الروحي لتعاليم وبرتوكولات (فرق الموت)، وقد خاضت الفرقة في عهده حروبا عديدة مع دولة السلاجقة بسب اختلافات مذهبية.
وتتعدد القصص والحكايات لكنها في مجملها تبرزهم كجماعة دينية اعتادت أن تصفي أعداءها عبر الاغتيالات الغادرة والخناجر المسمومة التي تدس خلسة في غبش الضوء.
وتفسر بعض الروايات سبب تسميتهم بالحشاشين على اعتبار أنهم كانوا يتناولون العقار المخدر كي يعطيهم جرعة مسبقة من مباهج الفردوس الذي ينتظرهم في حال نجاح مهامهم، وكانوا ينظرون إلى فرقتهم باعتبارها حفيظة على أسرار مقدسة وشعائر تقدمية لايمكن للمؤمن بالعقيدة أن يطلع عليها إلا بعد برنامج طويل من الإعداد والإرشاد، وعندما يشعر (المعلم الحجة) بأن المريد بات جاهزا يبعثه ليقوم باغتيالات بين صفوف مناوئيهم.
وقد ربط المستشرق الفرنسي دي ساسي بين كلمة assassination التي تعني (اغتيال) وكلمة heyssissini أي الحشاشين. فتصبح هذه الكلمة هي ما ظل من هذه الفرقة للتاريخ وللبشرية التي باتت رمزا للقتل والغدر والتصفية تحت تأثير العقار.
مازالت البشرية متورطة بتوحشها وبرسل الموت وفرق الظلام، ومازالت صفحات التاريخ تستقبل أسطرا مثخنة بالجراح ومشبعة بالدم.