تقول في رسالتها (إنها فتاة قد بلغت السابعة والعشرين، وإنها ما زالت عزباء، وتعمل مدرسة بعد تخرجها من الجامعة، أبوها رجل يقف حائلاً دون زواجها، كان الخاطب يأتي إليه طالباً يدها، تتم الخطبة، ويبقى السؤال عن العريس كعادة الأسر، ثم تنتهي الخطبة بعدم الموافقة، وكانت الأعذار من أبيها تختلف من عريس لآخر، ويستمر العرض والطلب، لكن النتيجة واحدة، وهي عدم إتمام الزواج، وأعذار والدها تكمن في شكليات قد تتعدل مع مسار الزوجية، فهذا مدخن، وذاك ولد رجل بخيل، والآخر كثير الأسفار، إلخ، موانع وحواجز مصطنعة من مخيلة والدها، وتستمر دورة الأيام ويقف الخاطبون لمعرفتهم في عدم جدية والدها في زواجها).
تقول الفتاة العانس إنها تستلم مرتبها من المدرسة الخاصة وقدره ألفا ريال، ويستلمها والدها، لأن كل شيء مؤمن لها والحمد لله كما يقول، ويعطيها خمسمئة ريال أو أقل.
صبري نفد، وحزني يزداد إذا علمت بأن زميلة لي أخذت إجازة وضع، أو إذا رأيت الأخرى وقد أتت برضيعها بعد عملية تطعيم أو مراجعة عيادة طبية، أحلم أن أكون مثلها، وتنفطر كبدي حزناً على عمري الذي يمضي بفعل حواجز أبي التي عجزت أن أجد لها تفسيراً، هكذا تقول.
الفتيات مثلها كثر، وقد ابتلاهن الله بآباء لا يعرفون الرحمة، أو أنهم غير مبالين إلا بأنفسهم هم فقط، رجال هم أقرب للذكورية من الرجولة، وهذا ما قالته تلك الفتاة، حيث قالت في رسالتها: (مات الرجال وبقي الذكور يا سيدي) وأنا أعرف ماذا تقصد بكلمة ذكر ورجل، لأن كل ذكر ليس رجلاً، أما الرجولة فلها شأن آخر لا يعرفه إلا العقلاء من الرجال فقط.
لعل عزيزي القارئ يفكر معي كثيراً في سبيل تعطيل الآباء لزواج بناتهم، ولماذا لا يعرفون مشاعر الأنوثة التي تطغى كلما زادت سنوات العمر والعنوسة، وهل هم لا يخشون أن يكونوا وبالاً وعاملاً مساعداً في انحراف تلك العوانس عن الجادة السليمة إلى مهاوي الردى وسط ذئاب بشرية انتزع الحياء من نفوسهم وأخلاقهم وتصرفاتهم، ولهم أساليب شيطانية في اصطياد اليائسات من العوانس؟ وهل لو أن تلك الفتاة وأمثالها سقطت بحكم العنوسة في غلطة مراهقة أو نزعة أنوثية فيما لا يحمد عقباه فهل سوف يقول: أنا السبب. أم أنه سيرمي التهمة عليها وتكون هي الضحية سابقاً ولاحقاً؟ أسئلة كثيرة وموجعة لا يتحملها عقل عاقل ولا فكر محايد يبحث عن حقيقة وأسباب كثرة العوانس لدينا، لأن تعنت بعض الآباء لسبب قد يكون مادياً أكثر منه محافظة على مستقبل الفتاة التي هي شرفه وسمعته وأمانة الله في يده، هو السبب البارز والأكثر في محيطنا الاجتماعي اليوم.
وهل يعقل أن تجد عانساً قد أقبلت على الثلاثين من عمرها (نصف عمرها تقريباً) وما زالت تبحث عن زوج المستقبل الذي سيأتي على حصان جامح لخطبتها؟
سؤال موجع لكثيرٍ من العوانس اللائي وقعن في شباك أب لا يرحم.
abo-hamra@hotmail.com