الماء عصب الحياة، وهو عنصر أساس لحياة الشعوب، وأساس رئيس من الأسس التي تبني عليها مختلف أوجه التنمية. وبحكم موقع المملكة العربية السعودية الجغرافي، وظروفها المناخية السائدة، فإن إمدادات المياه فيها تواجه الكثير من الصعوبات والمشاكل بسبب محدوديتها من جهة، والنمو السكاني وارتفاع معدلات الاستهلاك من جهة أخرى.
وقد أولت المملكة إمدادات المياه أهمية كبيرة، فتمت عمليات حفر الآبار واستغلال المياه الجوفية، وتم إنشاء العديد من السدود للاستفادة من المياه السطحية، كما عملت المملكة على إقامة المزيد من محطات التحلية لمواجهة الطلب المتزايد على المياه للأغراض المنزلية، بالإضافة إلى محطات محدودة لمعالجة مياه الصرف الصحي للاستفادة منها للأغراض الزراعية. وفي الواقع فإن المملكة العربية السعودية، وبسبب اهتمامها خلال العقدين الماضيين بسياسات إدارة العرض دون الطلب، قد ساهمت على الأقل في زيادة الفجوة بينهما وأصبحت قضية الأمن المائي للمملكة تواجه العديد من التحديات التي يمكن إبرازها فيما يأتي:
1- الاستهلاك الزراعي للمياه
يعد الطلب المرتفع على المياه للأغراض الزراعية في المملكة الذي وصل إلى حوالي 87% من إجمالي الاستهلاك المائي، ويحتل المرتبة الأولى بين القطاعات المختلفة المستهلكة للمياه، من أهم التحديات التي تواجه الأمن المائي السعودي. وإذا ما استمر هذا الاتجاه في المستقبل فإن موارد المياه الجوفية غير المتجددة ستنضب بسرعة. وعلى الجهات المسؤولة عن المياه إذا ما أرادات المحافظة على هذه الثروة المائية أن تقوم بمزيد من الإجراءات للحد من زراعة المحاصيل ذات الاستهلاك العالي من المياه، واستخدام أنظمة الري الحديثة، حتى يكون هناك توازن بين السحب السنوي من المياه الجوفية، وحجم التغذية السنوية (التعويض الطبيعي) للخزانات الجوفية.
وفي الواقع فإنه يمكن للمملكة أن تخفض من الاستهلاك الزراعي للمياه، عن طريق تبني بعض السياسات والإجراءات التي يمكن إيضاح أهمها فيما يلي:
أ- التخلي عن سياسة الأمن الغذائي المحلي، واستبدالها باستيراد المحاصيل ذات الاستهلاك العالي للمياه (القمح، الأعلاف.... إلخ) من الخارج، أو استكمال المملكة لمفاوضاتها السياسية والاقتصادية التي بدأتها عن طريق البنك الدولي، لاستئجار أراضٍ زراعية لمدد طويلة في بلدان غنية بالمياه كالسودان وإثيوبيا والباكستان وزراعتها لتأمين الاحتياجات الغذائية للمملكة.
ب- الإيقاف الفوري لزراعة القمح، وتقديم إعانة لمزارعي القمح لعدم زراعته، واستيراد احتياجات المملكة من الخارج. فعلى سبيل المثال يمكن أن يوفر إيقاف زراعة القمح حوالي 8.3 بلايين متر مكعب من المياه(1) (42%) من إجمالي الاستهلاك المائي في المملكة في عام 2004م.
2- الزيادة السكانية
تؤدي الزيادة السكانية بشكل مباشر إلى الزيادة في استهلاك المياه في المملكة، وحسب توقعات مصلحة الإحصاءات العامة فقد زاد سكان المملكة من 22.5 مليون نسمة في عام 2004م، إلى حوالي 25.3 مليون نسمة في عام 2009م. ومن المتوقع إذا ما استمرت زيادة السكان بمعدل 2.15% سنوياً أن يصل سكان المملكة إلى حوالي 35.3 مليون نسمة في عام 2025م.
ومما لا شك فيه أنه مع استمرار معدل النمو السكاني المرتفع في المملكة، وارتفاع معدلات المعيشة، ستستمر الزيادة في كميات المياه المستهلكة، خاصة للأغراض المنزلية، التي من المتوقع إذا ما استمرت معدلات النمو والاستهلاك الحالية أن يرتفع الطلب على المياه للأغراض المنزلية في عام 2025م بحوالي 57% عما كان عليه في عام 2004م.
وفي الواقع فإن هذا الارتفاع المتوقع في معدلات استهلاك الفرد يشكل عبئاً على الموارد المائية، ويمثل تحدياً يفرض على المملكة مواجهته بمعالجة بعض المظاهر السلبية التي تساعد في التخفيف من حجم الاستهلاك المتوقع، كالفاقد الكبير في الشبكات، وانخفاض التعرفة، وضعف المراقبة على التسربات والهدر من المنازل.
3- زيادة معدلات استهلاك الفرد
يتسم استهلاك الفرد في المملكة العربية السعودية بمعدل مرتفع نسبياً. فقد بلغ معدل استهلاك الفرد للأغراض المنزلية حوالي 86 متراً مكعباً/ فرد/ سنة (236 لتراً/ فرد/ يوم) في عام 2004م، وهو معدل مرتفع. ومن المتوقع إذا ما استمرت تسعيرة المياه المنزلية أو المخفضة، ومع توسع المدن، وتغير المستوى الحضاري للسكان أن يرتفع الاستهلاك في المملكة في عام 2025م بحوالي 57% عما كان عليه في عام 2004م.
وفي الواقع فإن مستوى التعرفة المائية، ومعالجة الفاقد من الشبكات، ومراقبة حفر الآبار، ورفع الإعانات، تلعب دوراً هاماً في الحد من الطلب على المياه للأغراض المنزلية والزراعية.
4- السياسات والتشريعات المائية
تعد قضية التشريعات والسياسات المائية من أهم العوامل التي يمكن أن تؤثر على الأمن المائي السعودي. فالتشريعات المائية هامة وحيوية لضبط وحماية المصادر المائية (السطحية، الجوفية، التحلية) من التلوث، وتشريعات تسعيرة المياه ضرورية للحد من استنزاف المياه، ومعدلات استهلاك الفرد المرتفعة في المملكة. كما أن استنباط تشريعات مائية جديدة تتلاءم مع نمو المجتمع تساعد في تحقيق الضبط المائي الذي تسعى إليه المملكة.
أما السياسات المائية التي تنتهجها المملكة بشقيها التخطيطي والتمويلي، فهي الضمان الأساس لتطوير وإنشاء المزيد من السدود ومحطات التحلية ومحطات المعالجة لمياه الصرف الصحي وصيانتها، للمساهمة في زيادة العرض (الإنتاج) من الموارد المائية المتاحة، وتحقيق أمن مائي مستقر في المستقبل إن شاء الله.
***
(1) تم حساب هذا الرقم على أساس أن إنتاج المملكة من القمح بلغ في عام 2004م حوالي 2775678 طناً، وأن احتياج الطن الواحد من المياه 3000 متر مكعب (ثلاثة أضعاف المعدل العالمي) ، انظر:
- وزارة الاقتصاد والتخطيط (2005م)، الكتاب الإحصائي السنوي، ص 12-12.
- الأمم المتحدة (2006م)، تقرير التنمية البشرية، ص ص 144-145.
أستاذ الجغرافيا السياسية المساعد
Alqasoumi@gmail.com