Al Jazirah NewsPaper Wednesday  16/09/2009 G Issue 13502
الاربعاء 26 رمضان 1430   العدد  13502
نهارات أخرى
حقيقة المعرفة - اكتشاف المجهول!
فاطمة العتيبي

 

الآن وأنا أجلس أمام هذا الكمبيوتر المحمول أهم بالكتابة لكم, في هدأة صباح رمضاني تملؤه السكينة، إذا بصوت عالٍ وغريب يحاصرني من جميع الجهات، في ردة فعل سريعة، وضعت الجهاز على كاتم الصوت لم يسكت، أغلقت الملفات التي كنت قد بدأت بتحميلها، توقعت أن أحدها يصدر هذا الصوت الغريب، صوت يذكرني بحشرات الحدائق في ليل ساكن، وحيث لم يتوقف الصوت، قررت أن أغلق الجهاز بعد أن نقرت على خانة الحفظ لما كتبت، حين لم يختف الصوت بدأت أشعر بموجة خوف, تخيلت أن هذه الحشرات أسفل المكتب الذي أجلس إليه، هالني هذا التخيُّل وصوَّر لي أن أحجامها كبيرة وأنها ستحاصرني في هذا المكان، في لحظة قررت أن أستنجد بزوجي كعادتي حين تدهمني أي من مخاطر الحياة التي لا أشك في أنني الآن أمر بأحدها، تذكرت أنه والأبناء يغطون في نوم نهاري رمضاني اعتدت على الاستفادة منه بالكتابة، كتمت صوتي لكن الصوت يرتفع ويعلو ويربكني أكثر، يخيفني أكثر!

في هذه اللحظة تحديداً، قررت أن أعرف، أن أكتشف لأتخلص من الخوف، وأواجه الحقيقة مهما تكن!

حركت الكرسي قليلاً ونظرت أسفل، لم يكن ثمة شيء سوى حذائي المنزلي الذي أخرجت منه قدمي، الصوت يعلو ويكاد يصم سمعي، توترت أكثر, زادت الصور التي تبثها مخيلتي السالبة، تخيلت أن الصوت يصدر من الحائط عن يميني، لففت يميناً ثم يساراً، نهضت اقتربت من كل شيء حولي، وضعت رأسي على اللوحات المعلقة وعلى الستائر, فتحت النوافذ، قمت بعملية تمشيط واسعة ودقيقة، قادني خيالي إلى توقع كل شيء وأي شيء، أكسبني التحرك كثيراً من الثقة، كنت أفتقدها وأنا جالسة بلا حراك، مستسلمة لمخاوفي!

مع أن الصوت يعلو أكثر، إلا أنني كنت على يقين بأنني أقترب من اكتشاف الحقيقة، هذا الشعور حرَّضني على المزيد من البحث والتقصي، يبدو مبالغاً فيه لكنه ضروري جداً, في هذا التوقيت بالذات، فتحت الأدراج، أخرجت الملفات، نفضت الورق، الصوت يتخذ الآن مستوى واحداً لا يزيد ولا ينقص, يمعن في إثارة فضولي، لم يبق إلا هذه المجلات التي تتراكم على الجزء الملحق بمكتبي، حرّكت أولاها, فإذا المفاجأة المذهلة, ثمة ضوء أحمر يصاحب الصوت الغريب، شارة تنبيه يصدرها هاتفي النقال، نغمة رنين الصراصير المتواصلة، مبرمجة على مؤقت الساعة، مؤكد أن هذا عبث ابني الصغير!

جلست مبتسمة، رميت بنفسي على الكرسي، أتنفس الصعداء مثل جندي خرج للتو من معركة أبلى فيها بلاءً حسناً.

أسعدتني التجربة، وجدتها ثرية جداً، ورشة عمل، تدربت فيها على التصدي للأوهام والمخاوف بالبحث والحراك! ورأيت أنكم تستحقون أن أرويها لكم ففعلت.

أيقنت أننا نحرم أنفسنا حين نخاف المواجهة من فرصة تاريخية، لا أظن أنني فيما بعد سأتوانى عن المضي في اقتناصها!!

لا بد أن يكون لدينا فضول ورغبة حقيقية في اختراق الحجب التي تبدو مثل كهف مظلم رطب، لا تدخله الشمس ولا يعبره هواء متجدد، تدفعنا نحو المضي في اكتشافه رغبة قصية تبدو لنا مثل إشارات سرية تقول لنا امضوا نحو المعرفة وافتحوا النوافذ واجعلوا الضوء يكشف المخبوء خلف ستائر الجهل، اجعلوا التيار المتجدد يعبر المكان، يجفف المنابع الراكدة بحراك المعرفة!

تورد الموسوعات تعريفات متعددة للمعرفة منها: (المعرفة هي الوعي وفهم الحقائق أو اكتساب المعلومة عن طريق التجربة أو من خلال تأمل النفس أو من خلال الاطلاع على تجارب الآخرين وقراءة استنتاجاتهم، المعرفة مرتبطة بالبديهة واكتشاف المجهول وتطوير الذات).. وأنا أكثر يقيناً اليوم بأن المعرفة هي مرادف لاكتشاف الحقيقة!



fatemh2007@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد