قبل 3 عقود من الآن كانت الحياة تختلف في كافة مدن المملكة حيث الأحياء الصغيرة، والبساطة التي كانت تسري في كثير من أمور الحياة على الرغم من صعوبات الحياة التي عانى منها الآباء في تلك الفترة لعدم وجود كثير من وسائل الرفاهية الحديثة، أو عدم انتشارها بشكل كبير، فلم يكن كثير من الأسر يمتلك سيارة للتنقل، معتمداً على التاكسي الذي بدأ ينتشر تلك الأيام، ومع أن التلفزيون كان قد ظهر وسمح بدخوله للمملكة إلا أنه لم يكن منتشراً لدى كثير من الأسر، وعندما انتشر فيما بعد ظل لعقدين من الزمان مقتصراً على القناة الأولى، فالانفتاح الإعلامي - على القنوات الفضائية - لم يعرف إلا بعد عام 90 م من القرن الماضي.
قراءة التحولات التي عاشتها المملكة وكثير من الدول المجاورة هي من الأمور المهمة التي تعطي صورة واضحة لكل من يرغب في معرفة واقع المجتمع وديمغرافيته مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالعصرنة، والقدرة على مواكبة المستجدات التي تكالبت على مجتمعاتنا في غضون العقدين الماضيين.
حديثي عن العيد هذا العيد الذي يبعث البهجة في النفوس ويجدد الحب لدى أبناء الأمة، من صغيرهم إلى كبيرهم، هو فرصة لتصفية النفوس، وللتواصل بين الأرحام، وبالذات أولئك الذين فصلت بينهم الحياة بسبب الخلافات الشخصية أو الشقاق في أمر ما، وكنت أريد أن أضيف ( بعد المسافة ) لكن هذا الأمر لم يعد في أجندة الإنسان المعاصر يحمل أي أهمية، لأنه تم القضاء على البعد عبر التواصل من خلال شبكة الاتصالات الحديثة، حتى أنك لو كنت شديد الاشتياق لشخص ما فبإمكانك أن تراه عبر الماسنجر ( صوت وصورة ) أو المكالمة المرئية في هاتفك الجوال، الحياة اختلفت بلا شك، وكان العيد في ذلك الزمن مرتبطاً بالبساطة كما ذكرت، والتواصل الشديد بين الأهل والأصدقاء، والأحبة، وكان عيد يفرح فيه الأطفال بدرجة عالية، حيث كنا في الطائف ونحن أطفالاً نذهب مع مجموعة من رفاقنا لنطرق أبواب منازل الحي ونطلب منهم ( العيدية ( كان تقليداً معتاداً، وهو من التقاليد الموجودة أيضا في معظم مناطق المملكة، ثم يقوم أصحاب المنزل بإعطاء الأطفال (العيدية ( عبارة عن مبلغ مالي بسيط ) ربع أو نصف ريال من العملة المعدية وبعضهم يجود بريال كامل، أو أكثر من ذلك بحسب الأسرة، أو إعطاء الأطفال حلوى العيد، كان المرح والحب والإخاء يميز تلك الفترة، أيضا أتذكر ( مرجيحة ( علي عسيري )- رحمه الله- في حي الشرقية بالطائف، وكانت من الخشب، فلم يكن هناك ألعاب أطفال منتشرة - مثل هذه الأيام -وبهذا الزخم الكبير في كثير من المنتزهات العامة التي يرتادها أبناؤنا، حيث كان الأطفال يتحلقون حول المرجيحة الخشب ( الأولاد والبنات ( لم يكن هناك أي فصل بينهما، أو أي شعور بالخوف من أحد تجاه الآخر، أما الآن فقد تحول الأمر إلى الكثير من الحرص وعدم الثقة في بعضنا بعض، والخوف ناتج عن التغير في واقع الحياة الحديثة، وتفتح الأذهان، على ما ينبغي عمله وما لا ينبغي عمله، والحفاظ على الأبناء ممن حولهم بات أمراً في غاية الأهمية.
لكن الجانب الهام في هذا الأمر هو فقدان الأطفال لبهجة العيد، أظن أن الأطفال لا يشعرون بقيمة العيد، ودهشة الفرح التي كانت في السابق، بل إنهم يظلون بين أربعة جدران في المنازل، حتى يذهب بهم أولياء أمورهم إلى المنتزهات العامة للعب، أو يذهبون إلى استراحة خاصة أو عامة مع العوائل (مقيدين) دون الشعور بالانطلاق، والمرح كما كان في السابق، عندما كان الأطفال يتجمعون - بعد صلاة العيد - وينطلقون إلى كافة منازل الحي، باتت الحياة أكثر تعقيداً، وأكثر قيوداً، مع كل الرفاهية التي نتمتع بها، أصبحت خانقة لكثير من أفراد الأسرة وبالذات النساء والأطفال.
العيد أيها السادة إذا كان رمزاً للفرح والبهجة والسرور، وصفاء النفوس والتواصل بين الأرحام، فإنه بالدرجة الأولى يظهر في فرحة طفل، وفي مرحه وشعوره بقيمة هذه المناسبة المهمة في حياتنا.
كل عام وأنتم الفرح.
Kald_2345@hotmail.com