إن الرغبة الصادقة في توفير المسكن الصحي والآمن والملائم لكل الأسر السعودية في منطقة الدرع العربي لن تتحقق إلا من خلال الإسراع في إعداد استراتيجية لذلك، خصوصاً أن لكل دولة خصائصها ومتغيراتها التي يجب أن تؤخذ في الحسبان عند إعداد استراتيجياتها الإسكانية.
لماذا أتحدث، تحديداً، عن الدرع العربي؟ ولماذا من المهم إعداد استراتيجية إسكان لذلك؟
أولاً، يجب أن يعرف القارئ أن الدرع العربي جزء من الصفيحة العربية، وهي وحدة من قشرة الأرض تكونت وأصبح لها وجود منذ 25-30 مليون سنة عندما انفصلت الصخور المكونة لمنطقة شبه الجزيرة العربية وشمالها، سوريا، الأردن، العراق، والجزء الغربي جداً من إيران من القارة الإفريقية، نتيجة التصدع الأخدودي rifting على طول الحافة الشمالية الشرقية لإفريقيا؛ وبالتالي انفتاح وتكون أخدود البحر الأحمر وخليج عدن. وهذه الحركة فصلت الدرع العربي من الدرع النوبي في أوائل العصر الثالث.
والدرع العربي ينكشف على مساحة تقدر بنحو 670.000كم2 في الجزء الغربي من الجزيرة العربية، وهو ضيق الاتساع في الشمال والجنوب، حيث يتراوح عرضه في الشمال ما بين 50 - 100كم وفي الجنوب نحو 200كم بينما يتسع في وسطه ليبلغ نحو 700كم تقريباً. ويغطى في الشرق بالصخور الرسوبية الأحدث، وتغطي بعض أجزائه حقول الصخور البركانية المصاحبة لتكوين أخدود البحر الأحمر أو الحديثة وكذلك بالصخور الرسوبية المختلفة العمر في مناطق السواحل الشرقية للبحر الأحمر. كما أن من سماته المهمة وجود مجموعة كبيرة من الصدوع في حزام يصل عرضه إلى نحو 300كم يقطع الدرع من الجنوب الشرقي إلى الشمال الغربي ويسمى نظام صدوع نجد Najd fault system وبه العديد من الوديان التي تتجه شرقاً وغرباً من أعالي منطقة عسير والموازي لها شمالاً؛ أي من منطقة الخط المائي التي منها تسيل الوديان شرقاً وغرباً، والماء في منطقة الدرع العربي شحيح ولا يوجد إلا في الوديان الكبيرة فقط، وكلها أصبحت ملوثة بأنواع الملوثات جميعاً؛ أي لا يوجد في الصخور؛ لأن الصخور صماء، وقد يوجد بعض منه في الشقوق الأرضية والصدوع.
إذاً الجزء الغربي من شبه الجزيرة العربية يحتوي العديد من الأودية وكذلك يحتوي على عدة حقول لابية أو ما نسميها بالحرات توجد مبعثرة على طول الساحل الشرقي للبحر الأحمر وعلى المرتفعات الغربية للجزيرة العربية تكونت متزامنة مع تكون أخدود (شق أو خفس) البحر الأحمر، وهي تعتبر واحداً من أكبر الأقاليم البازلتية القلوية لحقب الحياة الحديثة في العالم.
هذه الحقول البركانية تمتد شمالاً بتقطع من البركانيات اليمنية، كما تغطي مساحة تبلغ على الأقل 35.000كم2 من المرتفعات الجنوبية الغربية لليمن حتى حوران لجبل الدروز المماثلة في الحجم في سوريا ومن هناك تمتد اللابا عبر شرق الأردن إلى السعودية حيث تعرف بالحرة.
وإلى جانب الحرات المذكورة يوجد العديد من الفوهات البركانية وحقول لابة ورماد بركاني صغيرة، أغلب أعمارها بين 29 و18 م.س. وبين 14 و1م.س. والطفوح السفلية الموجودة بين مكة والمدينة وتلك الموجودة في الحرة عمرها بين 12 و13م.س. (ميوسين متوسط)، والطفوح أو التدفقات المبكرة تخرجت من شقوق موازية للبحر الأحمر، أما الحديثة فقد تخرجت من فوهات بركانية.
بعد هذه المقدمة عن الدرع العربي تذكرون أنني كتبت مقالاً عن (هل حدثت في منطقتنا براكين سابقة؟) حيث كان من واجبي كجيولوجي توعية المواطنين بما أعرف عن المواضيع الجيولوجية التي تهم حياة المواطنين؛ ولذلك نشرت العديد منها ولم أتوقف، وكان آخرها مقالاً تحدثت فيه عن أخطار البراكين نشر في جريدة (الجزيرة) بتاريخ 23 من ربيع الأول الموافق 20 مارس 2009م؛ أي قبل أكثر من شهر على حدوث الهزات في منطقة العيص، وذكرت فيه أن خطط طوارئ مواجهة الزلازل والبراكين غائبة عن أذهاننا على الرغم من احتمالية الخطر، وأن آخر بركان ظهر في المدينة المنورة قبل 700 سنة فقط سبقه زلزال شديد، كما تحدثت عن أمور كثيرة يجب على المواطن الإلمام بها في حالة حدوث بركان لا قدر الله.
وفي يوم 20 إبريل 2009م والأيام التالية لذلك حدثت أول هزة وما زالت تضرب محافظة العيص وعدداً من قرى المحافظة مثل قريتي هدمة والقراصة وكذلك هجرات العميد والفرع والسهلة وغيرها غرب حرة الشاقة (ليونير)، والعديد من الهزات الأرضية نتيجة تحرك الصهارة في باطن الأرض ومحاولة خروجها إلى السطح. وذكرت أنه عادةً تغطي المنطقة الخطرة حول أي بركان مساحة قطرها نحو ثلاثين كيلو متراً، كما قد يوجد هناك بعض الخطر على بعد أكثر من 100 كيلو متر من البركان.
جدول (1) الحرات الموجودة بالدرع العربي ومساحة كل منها
الحرات المساحة (كم) خيبر - الاثنين (هتيم) الكوراء 21.000
رهط 18.100
الحرة (الشما) 15.200
نواصيف البقوم 10.800
الرحا - عويرض 7.150
الكشب 6.700
حضن 3.700
البرك 1.800
*1.800
ليونير 1.750
*1.530
كرماء (حرمة) 1.100
الهتيمة 900
السرات 750
جبال الخطيبة 320
ملاك 115
يا إخوان.. كلنا يعرف أن تفوق الأمم يقاس بمدى رفاهية مجتمعاتها، وتوافر مقومات الحياة الكريمة الأساسية لمواطنيها، ويعد توافر المسكن الصحي والآمن والملائم للجميع - من دون استثناء - من أهم هذه المقومات. ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا من خلال استراتيجيات إسكانية ذات أهداف واضحة، وخطط عمل دقيقة، وأولويات محددة. وقد وعت الدولة - وفقها الله - أهمية استراتيجيات الإسكان لتيسير حصول المواطن على المسكن الملائم وامتلاكه؛ فأسندت إعداد استراتيجيات الإسكان السعودية وتحديثها وتطويرها إلى الهيئة العامة للإسكان.
لكني أتساءل: هل الإسكان في منطقة الدرع العربي آمن جيولوجيا؟ وهل هناك استراتيجية للإسكان في منطقة الدرع العربي، خصوصاً بعد تعرض منطقة العيص لهزات أرضية نتيجة تحرك الصهارة؟ وكيف أصيب المواطنون بالهلع وسارعت الدولة - حفظها الله - إلى إجلاء الآلاف من السكان للمناطق الآمنة وتكلفها مبالغ طائلة؟
كما أتساءل: هل في كل مرة سيتجدد النشاط البركاني سنصاب بالهلع ونفكر في حلول طارئة ووقتية؟ لماذا لا نفكر في الألف سنة القادمة وربما لبقية العمر لحل تلك المشكلة؟
وهذا يقودنا إلى التساؤل: هل يجب إزالة جميع القرى الموجودة إلى مسافة تبعد ثلاثين كيلو متراً من مكان أي بركان خامد موجود في الدرع العربي؟ وهل لدينا الشجاعة لنقوم بذلك؟
لأصحاب القرار أقول: لو كنت مسؤولاً لأصدرت قراراً بذلك وأزلت جميع القرى من منطقة الدرع العربي إلى مناطق آمنة، ما عدا تلك البعيدة عن مواقع الخطر؛ لأن المسؤولين في بلادنا يقدرون قيمة الإنسان، ولا أدل على ذلك مما قامت به الدولة في وقت المحنة والشدة والقرارات الحاسمة والتعويضات السخية.
وما يجعلني أصدر ذلك القرار هو أن السكن في الدرع العربي غير آمن جيولوجياً بسبب البراكين والزلازل وأيضاً لتلوث الوديان والجهل بذلك، كما لو أننا ننفخ في قربة مقطوعة. كما أن الدولة سابقاً أقامت الهجر في مناطق مختلفة وأقامت المجمعات القروية، ونحن بحاجة إلى التوطين في بعض المناطق، خصوصاً على أطراف الربع الخالي والنفود الكبير حيث يتوافر الماء والأراضي الزراعية.
فمثلاً هل تصدقون أن كل الآبار في أودية الدرع العربي ملوثة بالجراثيم والبكتيريا والطفيليات والفطريات، نتيجة أن الصرف الصحي لتلك القرى في الوديان مما لوثا لمياه فيها، وأصبحت غير صالحة للاستعمال البشري أو حتى الحيواني، إلا بعد المعالجة المكلفة لتلك المياه، وأن الأمراض المختلفة، سواء المعوية أو السرطان، منتشرة بين السكان بسبب تلوث المياه إشعاعياً، أو بمواد الصرف الخطرة؛ مما يكلف علاجهم البلايين والبلايين لسنوات طويلة، كأن بلادنا لديها أموال لا تعرف كيف تصرفها؟! وهذا هو جزء من الهدر المالي الذي تتميز به دول الخليج عن غيرها؛ فليس هناك تخطيط دقيق لجميع مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وكل ذلك تتحمله الدولة في ظل غياب التخطيط السليم؛ أي أن الدولة تصرف أموالاً ليس من المفترض أن تصرفها، وهذا ما عنيت بالنفخ في القربة المقطوعة.
لماذا لا يكون هناك حل جذري لأغلب مشاكل منطقة الدرع العربي؟ يجب أن لا يكون هناك أي قرية إلا القرى التعدينية؛ أي التي تنشئها الشركات التعدينية لموظفيها على أساس صحي سليم بأن تُنشأ لغرض وتزال عندما ينتهي ذلك الغرض.
ويمكن إقامة المجتمعات السكانية المتكاملة الخدمات من مدارس ومساجد ومراكز وحدائق ومرافق حكومية بأنواعها، وتحت تأثير الأبعاد الاقتصادية والسياسية ولتدبير الأراضي اللازمة للإسكان يجب أن يتجه التخطيط إلى الانتشار الجغرافي وتوجيه الزحف العمراني إلى مدن جديدة ومدن حدودية بعيدة عن مناطق الخطر، طبقاً لما تخططه الدولة للمستقبل من ضمن المخطط الهيكلي للمملكة العربية السعودية.
في هذه العجالة لا أريد أن أدخل في تفاصيل وإنما أطالب بأن يقوم مجلس الشورى بدراسة واقع المجتمعات السكانية في الدرع العربي من جميع النواحي الاجتماعية والاقتصادية وغير ذلك والخروج بتوصيات للدولة تحدد فيها استراتيجية الاستيطان والتهجير وغير ذلك.. والله يحفظ الجميع من كل سوء، ودمتم.. والله من وراء القصد.
* جيولوجي وعضو مجلس الشورى
للتواصل مع الكاتب: ص. ب 90199 الرمز البريدي 11613 الرياض أو Aazk09@Gmail.com