إذا كان الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - رحمه الله - تمكن بعون الله أولا ورجاله الأوفياء ثانيا من إعلان دولة بحجم قارة قبل 79 عاما، تسمى المملكة العربية السعودية، في الأول من برج الميزان، بعد أن كانت تعيش البلاد في انعدام الأمن وتشتت وفقر وجهل في أرجائها، فقضى على ما كان سائدا من قتل ونهب وسلب وجهل يحارب بيد ويبني بأخرى.
فقد عمل الملك عبد العزيز على نشر العلم والمعرفة وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف بين الناس منذ بداية التوحيد، وقام بوضع الأسس الرصينة للاقتصاد والتعليم حتى أصبحت مضربا للمثل بين الأمم منذاك التاريخ حتى يومنا هذا، فرائد التعليم العالي، خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله-، حرص على الاستثمار في المواطن، وهو أغلى ثروات الوطن، من خلال إنشاء المدن الجامعية والجامعات في مدن ومناطق المملكة وابتعاث آلاف الطلبة إلى الخارج في شتى بقاع المعمورة وفي دول متقدمة علميا وتقنيا لنيل درجات علمية مختلفة في تخصصات ومجالات متنوعة، من أجل توفير كوادر وطنية متخصصة ومؤهلة على أعلى مستوى في مجالات تثري التنمية الوطنية وتواكب التطورات العلمية العالمية ومخلصة لوطنها، وهو استمرارا لنهج والده وإخوانه الأوفياء.
إن افتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية بحضور مجموعة كبيرة من قيادات العالم وأصحاب الفكر والعلم والثقافة من شتى بقاع المعمورة ومتزامنا بعيد الفطر المبارك وباحتفالنا باليوم الوطني، الذي هو احتفاء بالذكرى التي كانت بذرة صالحة وعظيمة أثمرت وطناً واحداً عصريا، هو منعطف تاريخي آخر في مرحلة التعليم العالي ينقل المملكة للعالمية العلمية ويضعها في مصاف الدول المنتجة للمعرفة لا المتلقية لها فقط. إن خادم الحرمين الشريفين ورؤيته الثاقبة وشعوره بمسؤولية المملكة التاريخية - بصفتها قلب الأمة النابض ومهد الحضارة الإسلامية والتاريخ البشري- لما يمر على امتنا من وهن علمي ومعرفي وتكالب الأمم عليها استدعته لتكريس الجهود والبحث عن وسائل توطين المعرفة العلمية بشتى الوسائل، والاستفادة من خبرات الآخرين للمساهمة بدفع عجلة التطور العلمي العالمي ويعيد هيبة امتنا الحضارية والعلمية بين الأمم.
إن النهج المتبع لإنجاح هذا المشروع العلمي الجبار ابتداء بتكليف شركة قوية وعملاقة وناجحة بكل المقاييس ولها احترامها العالمي (أرامكو السعودية) لإنجازه، والعمل على استقطاب فريق قيادي عالمي- مجلس أمناء - ذي سمعة عالمية لإدارتها وضبط جودتها، واستقلاليتها مالياً وإدارياً، وشراكات التعاون مع الجامعات والقطاع الخاص في مختلف أنحاء العالم، واختيار طلابها المتميزين من مختلف الثقافات والأعراق، سيجعلها- بإذن الله- جامعة عالمية ومنافسة لأرقى الجامعات العالمية، بل تتفوق على غالبتها بتنوع فريقها القيادي الذي يجمع بين الخبرة والتميز العلمي.
إن اختيار موقع الجامعة قريبا لمكة المكرمة والمدينة المنورة شمال محافظة جدة على ساحل البحر الأحمر، هي رسالة بأن العلم عالمي، وبأننا منبع حضارة خدمة البشرية وشركاء في صناعة المعرفة والعلم على مر العصور. إنها منارة للإشعاع العلمي الذي تستفيد من ثماره البشرية اجمع.
إن جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية.. ليست مجرد جامعة إنما هي تاريخ وصناعة الحضارة من جديد المبني على الفكر والعلم والهوية وصناعة لمستقبل البشرية المعرفي ومنهج جديد لتعاون الأمم.
إن جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية.. ليست جامعة تقليدية إنها جامعة القرن 21 للانتقال للعالم الأول، إنها تحقيقا لرؤية ملك صالح من اجل أجيال المستقبل. فهنيئاً للوطن بجامعة الوطن، تحمل اسم قائد الوطن، انطلقت في يوم الوطن.
(*) عضو مجلس الشورى