(الجزيرة) - محمد المدبل :
إن مناسبة اليوم الوطني مناسبة غالية على كل مواطن، وهي ليست مجرد ذكرى تاريخية عابرة كبقية الأحداث، بل هي ملحمة بطولية قادها المؤسس الفذ الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- الذي وحد شتات البلاد وانتشلها من الجهل والفساد إلى العلم والأمن والاستقرار، فعمَّ الرخاء والأمن والاستقرار وتبدَّل الحال في صورة تشبه المعجزة، ولم يكتف الملك عبدالعزيز بذلك بل سعى إلى تطوير البلاد وإصلاحها في كافة المجالات حتى استطاع بفضل الله عز وجل أن يضع أساسات شديدة الثبات والاستقرار لدولة فتية، فاستطاع أن يبني دولة مترامية الأطراف، وأن يضع لها الأنظمة والقوانين التي تكفل حمايتها واستمرارها، معتمداً في ذلك على الله بتطبيق الشريعة الإسلامية من جهة، وعلى بعد نظره ومصلحة أمته من جهة أخرى.
الإصلاح النقدي
ومن أبرز المجالات التي شهدت عناية واهتماماً من المؤسس -رحمه الله- المجال الاقتصادي حيث شهد اقتصاد البلاد قفزات متتالية منذ دخوله للرياض وكانت أبرزها حينما اكتشف النفط عام 1357هـ وتصديره بكميات تجارية منذ عام 1364هـ فتغير الاقتصاد من مرحلة العوز والفاقة إلى القدرة على التأثير في الاقتصاد العالمي، ولم يكن هذا التحول سهلاً ولا خالياً من المتاعب فقد كان عدم وجود مؤسسات مالية قادرة على إدارة ذلك الاقتصاد وتلبية احتياجات الحكومة ومواطنيها من النقد المحلي والأجنبي كانت من أبرز المشكلات. إلا أن الملك عبدالعزيز كان حريصاً على إيجاد حل لذلك فقد قام بعمل غير عادي في سبيل بلورة هوية أمته ودولته من خلال نقودها التي تعد أهم رمز من رموز سيادتها. ولعل المتتبع لمراحل الإصلاح النقدي يدرك حقيقة بعد نظر الملك عبد العزيز في معالجة الأحداث والقضايا الجوهرية لأمته، فمراحل الإصلاح النقدي ارتبطت ارتباطاً مباشراً بمراحل توحيد هذا الكيان، وعكست الأحداث والتطورات السياسية التي شهدتها الدولة منذ سنة 1319هـ(1902م) وحتى سنة 1351هـ (1932م).
فمنذ دخوله مدينة الرياض وسيطرته على معظم إقليم نجد قبل بشكل مؤقت بالوضع النقدي الموجود في ذلك الوقت، حيث أبقى على التعامل بالنقود المتوفرة بالأسواق آنذاك، إلا أن إيجاد نقد موحد يتم تداوله في مناطق نفوذه آنذاك، كان هاجساً يراوده كثيراً لإدراكه التام بأن النقود تعد أهم مظهر من مظاهر سيادة الدولة، وإحدى شارات الملك الثلاث.
ولهذا نجد أن الملك عبدالعزيز وخلال تلك الفترة المبكرة من مسيرة التوحيد كان يحاول جاهداً إصدار عملة نحاسية خاصة بسلطنة نجد آنذاك، رغبة منه في ضبط الأوضاع النقدية في أسواقها إبان تلك الفترة فقام -رحمه الله- بأول خطوة والتي تمثلت في دمغ بعض النقود الشائعة والرائجة في التداول بكلمة (نجد)، وكان ذلك قبل سنة 1340هـ (1922م).
ومن أهم تلك النقود التي خضعت للإصلاح النقدي الريال الفرانسي، والروبية الهندية وأجزاؤها، وبعض النقود العثمانية المضروبة من النحاس ومن (الكوبر نيكل) من فئة عشرة بارات، وفئة عشرين بارة، وأربعين بارة.
وبعض القروش التركية مثل خمسة قروش، وبعض القروش المصرية والتي تعود إلى عهد السلطنة المصرية من فئة القرشين، وفئة الخمسة قروش، وفئة العشرة قروش، وفئة العشرين قرشاً.
نقود جديدة
سنة 1346هـ شهدت العديد من التطورات النقدية، فكان أولها أن قام الملك عبدالعزيز بإلغاء التعامل بجميع النقود المتداولة كالعثمانية والهاشمية وغيرها.
حيث أمر بطرح نقوده الجديدة التي حملت لقبه السابق، ويظهر هذا اللقب على النقود التي جرى سكها من معدن (الكوبر نيكل) من فئة القرش، ونصف القرش، وربع القرش والتي جاء تصميمها مطابقاً لتصميم القرش وفئاته المضروب سنة 1344هـ باستثناء سنة السك 1346هـ التي نقشت أسفل ظهر القطعة النقدية.
وخلال السنة نفسها قام الملك عبدالعزيز بخطوة تعد من أهم المراحل التي مرت بها عملية الإصلاح النقدي إبان تلك الفترة فقام -رحمه الله- بطرح أول ريال عربي سعودي خالص، جرى سكه من معدن الفضة على غرار الريال المجيدي الذي يعد النقد الفضي الرئيس المتداول آنذاك، وبعد أن تمكن الملك عبدالعزيز آل سعود من توحيد أجزاء البلاد المتناثرة، صدر المرسوم الملكي رقم 2716 وتاريخ 7-5- 1351هـ( 22-9-1932م) بتحويل البلاد من مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها إلى المملكة العربية السعودية، وتقرر استخدام لقب ( ملك المملكة العربية السعودية) بدلاً من لقب (ملك الحجاز ونجد وملحقاتها).
إلا أن هذا اللقب لم يظهر على النقود إلا في سنة 1354هـ (1935م) عندما جرى طرح أول نقد سعودي حمل الاسم الجديد للدولة بعد توحيدها، وكان ذلك على الريال الفضي الجديد وأجزائه من فئة نصف الريال، وفئة ربع الريال.
وفي سنة 1367هـ (1948م) جرى سك الريال الفضي الواحد دون أجزائه، وطرح في الأسواق بتصميمه السابق عدا سنة سكه (1367) المنقوشة في آخر سطر من كتابات مركز الظهر ثم أعيد سكه مرة أخرى سنة 1370هـة (1915م) دون أجزائه أيضاً.
وخلال السنة نفسها (1370هـ) جرى ولأول مرة في العهد السعودي سك الجنيه الذهبي الذي كان في تصميمه مشابهاً للريال الفضي، وبالتحديد من حيث زخارفه ومأثوراته فيما عدا سنة سكه وقيمته بالأحرف المنقوشة في أعلى هامش الظهر (جنيه عربي سعودي واحد) وقد بلغ وزن هذا الجنيه (8 غرامات)، ودرجة نقاوة تصل إلى (0.91666) وبلغ قطره (22 مليمتر).
ونظراً لعدم وجود سلطة نقدية مركزية، تحكم وتنظم إصدارات الدولة من النقود التي كانت تسك خارج البلاد، وترد على دفعات، أو بشكل غير منتظم، فقد أدى ذلك إلى تدني قيمة صرف الريال الفضي السعودي، كذلك أدى إلى حدوث فارق كبير لا يتمشى مع قيمة الريال كمعدن في السوق العالمية، الأمر الذي دفع بالعديد من الصيارفة إلى القيام بتهريبه خارج البلاد وبكميات كبيرة خاصة إلى أسواق الهند التي شكلت منطقة جذب لهم.
وهنا رأى الملك عبدالعزيز أن البلاد بحاجة ماسة إلى وجود جهاز مصرفي يتولى إدارة دخل الحكومة الذي يشهد تنامياً مطرداً، بفضل الدخل المتزايد من الصادرات النفطية، كما يتولى تنظيم الأوضاع النقدية التي تعاني اضطراباً كبيراً، بسبب التقلبات الحادة لأسعار معدني الذهب والفضة، اللذين يشكلان العمود الفقري لعملة الدولة.
عند ذلك صدر المرسومان الملكيان برقمي 30-4-1- 1046 و30-4-1-1047، وتاريخ 25-7- 1371هـ(20-4-1952م) بإنشاء مؤسسة النقد العربي السعودي، واعتماد نظامها الأساسي الذي حدد أهم وظائفها في تثبيت قيمة العملة السعودية، ودعمها داخل البلاد وخارجها، ومعاونة وزارة المالية بتوحيد المركز الذي تودع فيه إيرادات الدولة، وتقديم المشورة للحكومة فيما يتعلق بسك النقود وطرحها، ومراقبة الجهاز المصرفي من مصارف تجارية، وصيارفة يتعاملون في بيع وشراء العملات الأجنبية، وعلى الرغم من كل ما تم تحقيقه في هذا المجال، إلا أن طموح الملك عبدالعزيز كان أكبر من ذلك بكثير، فقد أدرك -رحمه الله- صعوبة الاستمرار في استعمال النقود المعدنية، في ظل التطورات الاقتصادية المتلاحقة، وتنامي واردات الدولة بشكل كبير، فرغب في تسهيل أمور حجاج بيت الله الذين يلاقون مشقة من حملهم للريالات الفضية الثقيلة، فكانت الخطوة الأكثر جراءة في نظام النقد السعودي، والتي تمثلت بقيام مؤسسة النقد بإصدار ما عرف آنذاك بإيصالات الحجاج التي طرحت للتداول اعتباراً من 14-11-1372هـ (25- 7-1953م) من فئة العشرة ريالات، والتي طبع منها خمسة ملايين إيصال، كطبعة أولى، كتب على هذا الإيصال عبارات متعددة باللغة العربية والفارسية، والإنجليزية، والأردية، والتركية، والمالاوية، ما يحفظ لحاملها قيمة هذا الإيصال من الريالات الفضية السعودية وعلى ما يبدو أن هذه التجربة لاقت الاستحسان والقبول من حجاج بيت الله الحرام، ونالت ثقة الناس في السوق المحلية من تجار ومواطنين الأمر الذي دفع بالمؤسسة إلى إعادة إصدار تلك الفئة وفئتين جديدتين أخريين من فئة الخمسة ريالات سنة 1373هـ (1954م)، وفئة الريال الواحد سنة 1375هـ (1956م) وكان لنجاح هذه التجربة أن المواطنين والحجاج لم يستبدلوا تلك الإيصالات بالعملة المعدنية، بل استمروا في تداولها واستنتجت الدولة ممثلة في مؤسسة النقد العربي السعودي بأن المواطنين والحجاج راغبون في استبدال العملات المعدنية بعملة ورقية، وهو تطور مهم يعبر عن الثقة بحكومة الدولة الفتية وقدرتها على حماية عملتها الورقية، وهو أمر أصعب بكثير من حماية العملة المعدنية ذات القيمة الذاتية.
العملات الورقية
ثم توالى إصدار العملات الورقية في عهود حكام الدولة السعودية فبموجب المرسوم الملكي رقم (6) الصادر في غرة رجب سنة 1379هـ الخاص بإصدار النقود الورقية النظامية، تم طرح أول إصدار نقدي ورقي رسمي، في عهد جلالة الملك سعود بن عبد العزيز بخمس فئات، هي: فئة المائة ريال، والخمسين ريالاً، والعشرة ريالات، والخمسة ريالات، والريال الواحد، بتاريخ 1-1-1381هـ الموافق 14-6-1961م، وتم سحبه من التداول بتاريخ 1- 5-1391هـ الموافق 24-6- 1971م ثم طرح الإصدار الثاني في عهد جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز بفئاته الخمس: (المائة ريال، والخمسين ريالاً، والعشرة ريالات، والخمسة ريالات، والريال الواحد، بتاريخ 15- 11-1387هـ وظل حتى سحب من التداول بتاريخ 1- 7-1400هـ بعد ذلك طرح الإصدار الثالث من النقود الورقية، في عهد جلالة الملك خالد بن عبد العزيز بفئاته الخمس: المائة ريال، والخمسين ريالاً، والعشرة ريالات، والخمسة ريالات، والريال الواحد، بتاريخ 16-10- 1396هـ. وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز طرح الإصدار الرابع من النقود الورقية في غرة ربيع الثاني سنة 1404هـ الموافق (4-1- 1984م) وانفرد هذا الإصدار بإضافة فئة الخمسمائة ريال، لأول مرة إلى فئات النقد السعودي، استجابة للتوسع في التعاملات النقدية، بسبب التطور الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، بالإضافة إلى فئات المائة ريال، والخمسين ريالاً، والعشرة ريالات، والخمس ريالات، والريال الواحد.
وبمناسبة الاحتفال بمرور مائة عام، على تأسيس المملكة العربية السعودية، على يد المغفور له جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، رأت مؤسسة النقد العربي السعودي المشاركة بشكل فعال في احتفالات المئوية وتخليد ذكراها، وذلك من خلال إصدار فئتين جديدتين من النقود الورقية، من فئة المائتي ريال، وفئة العشرين ريالاً، وطرحهما للتداول خلال الاحتفالات بهذه المناسبة.
وطرح الإصدار الخامس من الأوراق النقدية بفئاته المختلفة للتداول في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود.