د. حسن الشقطي :

يعد الاقتصاد الوطني من الاقتصاديات التي مرت بمراحل نمو قوية مرتبطة بأحداث أو مستجدات اقتصادية وسياسية عالمية. وقد جاءت أولى هذه الطفرات مرتبطة بالثورة النفطية الأولى في عام 1973م، ثم ارتبط بالثورة النفطية الثانية في عام 1979م. وإذا أردنا تصنيف مراحل النمو الاقتصادي للمملكة خلال الأربعين عاما الأخيرة، فإن أعلى مرحلة نمو هي التي حدثت خلال الفترة 68-1975م، والتي نمى فيها الاقتصاد الوطني بما يعادل 777.2% جملة واحدة، أي بمعدل نمو سنوي يعادل 111% سنويا، وهي تمثل مرحلة النمو القوي في الأسعار العالمية للنفط. تلاها مرحلة هدوء نسبي (76-1986م)، حيث تراجعت أسعار النفط، إلا أن الاقتصاد الوطني استطاع خلال تأسيس قطاع غير نفطي قادر على خلق رافد بديل للنمو، حيث نما القطاع غير النفطي خلال هذه الفترة بما يعادل 184.7% ليعوض التراجع في القطاع النفطي. ثم بدأت مرحلة النمو المنخفض خلال الفترة (87-1997م)، حيث بدأت أسعار النفط تتحرك من جديد. إلا أن هذا النمو المنخفض تحول إلى نمو مرتفع خلال الفترة (98-2008م) لينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 225.4% في ظل الطفرة النفطية الثالثة.

وما يحث على الاطمئنان هو أن القطاع غير النفطي أصبح ينمو بشكل مستقر بصرف النظر عن نمو القطاع النفطي، بل إن الاختبار الحقيقي الذي تمكن الاقتصاد الوطني من تجاوزه خلال فترات النمو الاقتصادي المنخفض خلال الفترة (1992-2002م) إنما يكمن في قدرته على خلق قطاع اقتصادي مواز للقطاع النفطي قادر على قيادة الاقتصادي الوطني حتى عند أقل مستوى لأسعار النفط. ولنا أن نتخيل أن قيمة الناتج غير النفطي تزيد عن مستوى الناتج المحلي الإجمالي (النفطي وغير النفطي) للكثير من الدول العربية، وعلى رأسها مصر.

باختصار فإن الطفرة النفطية الثالثة أو الحالية التي تمر بها المملكة أسست لثاني أعلى مرحلة نمو اقتصادي تمر بها المملكة، ويتوقع لهذه الطفرة أن تضع الاقتصاد الوطني في قلب قائمة النمور الاقتصادية إذا تمكن الاقتصاد الوطني من استغلال هذه الموارد الهائلة في بناء واستكمال بنيته التحتية المتبقية لانطلاقة صناعية وخدمية مكتملة.