يتجدد اليوم الوطني للمملكة ليس في كل عام فحسب بل في كل يوم، فقد ارتبط هذا اليوم في قلوب أبناء هذه البلاد وفي عقولهم ووجدانهم بأمرين أساسيين أولهما إعلان قيام هذه الدولة على عقيدة التوحيد النقية، وثانيهما تحقيق وحدة تراب هذا الوطن الكبير.
ولما كان أساس جهاد الملك عبدالعزيز جهاد عقيدة ومكان العقيدة إيمان القلب، فالعقيدة تتجدد كل يوم في قلب المؤمن مثلما تتجدد ذكرى وحدة هذا الوطن في كل إنجاز يتحقق من أجل حياة أفضل لهذا الشعب الكريم، ولا تكاد تشرق شمس على أرض هذه البلاد المباركة إلا وقد تحقق إنجاز أو افتتح مشروع أو شق طريق أو أعلن عن مكرمة على يدي القيادة الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبدالعزيز وسمو النائب الثاني الأمير نايف بن عبدالعزيز حفظهم الله جميعاً.
ولا بد أن نذكر الأجيال الحاضرة أن وحدة هذا الوطن ما كانت لتستمر لو لم تقم على عقيدة التوحيد النقية، فقد أعلن المؤسس الملك عبدالعزيز- طيب الله ثراه- طوال رحلة جهاده من أجل توحيد أراضي هذا الوطن، أن هدفه الأول إعلاء كلمة الله، وتثبيت عقيدة التوحيد في القلب، فإذا وقرت هذه العقيدة في القلوب توحدت القلوب في صدور الرجال الأشاوس الذين نهضوا لتوحيد أرض الوطن. لهذا نبتت الوحدة العربية السعودية وفشلت مشروعات الوحدة العربية الأخرى لأنها لم تقم على عقيدة واضحة معلنة.
ولن أنسى ما حييت ما كان يحدثنا به والدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن عبدالعزيز -رحمه الله- عن ذكريات معارك التوحيد التي خاضها تحت قيادة الملك المؤسس وبرفقة إخوانه الميامين، إن الملك عبدالعزيز كان يقول لهم: أما أن نحيي هذه العقيدة في القلوب أو نموت دونها. وإذا هموا بدخول معركة تلا عليهم قوله تعالى {إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ} أو يقول { إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.
جاهد الملك عبدالعزيز وأبناؤه وبقية رجال الوطن على مدى 32 عاماً متصلة بلا كلل أو ملل للوصول إلى هذه النتيجة الباهرة التي نعيشها منذ 79 عاماً، وهو مجد وتاريخ يجب أن يعرفه هذا الجيل الجديد الذي يجني ثمار ذلك الجهاد العظيم. ما زلت أذكر وكأنه بالأمس ذلك الوصف الدقيق الذي يصفه لنا الوالد - رحمه الله- عن المعارك التي خاضها مع والده الملك عبدالعزيز.. حصار معركة الرغامة سنة 1343هـ وكان درساً عظيماً في الصبر والجلد واحتمال الجوع والعطش، ثم معركة السبلة المشهورة سنة 1347هـ التي وقف فيها جنباً إلى جنب مع أخيه الملك سعود - طيب الله ثراه- فضلاً عن مشاركته في مطاردة فلول البغاة شرق المملكة في صحبة الملك القائد إلى شمال المملكة.
أما الشرف الأعظم الذي ناله الوالد -رحمه الله- الذي ظل طوال حياته يحدثنا عنه، وخصوصاً في الليلة التي تهل علينا فيها ذكرى اليوم الوطني، وهي دخوله المدينة المنورة مسالماً بطلب من أهلها سنة 1344هـ، ووقفته المهيبة في الحجرة النبوية أمام قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم للسلام عليه، وإعلان السير على هديه والتمسك بسنته، فما كان الوصول إلى ذلك المكان، ولا كانت تلك الحروب ولا كانت هذه الوحدة إلا لأجل التمسك بسنته والاقتداء بهديه ومحاربة كل من يبتدع أو يضل عما تستوجبه معاني لا إله إلا الله محمد رسول الله، وهو شعار هذه الدولة ورسالة حياتها ورمز كل أيامها.
هذا هو يومنا الوطني، وهذه هي معانيه الجليلة وتلكم هي بعض الدروس والعبر التي نتعلمها منه، ونعلمها لأبنائنا من بعدنا، فيزكي بها الله إيمانهم، ويرفع بها هاماتهم للسماء. فنحن أمة تقوم حضارتها على أساس الروح لا المادة فحسب، ووسيلتنا إلى هذه الحضارة السمو بالعلم، ولهذا آثر مليكنا الهمام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أن يقدم لشعبه في هذه المناسبة الغالية صرحاً منيفاً من صروح العلم السامقة في هذا الوطن، وقرر فيه افتتاح جامعة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، فنِعم اليوم، ونِعم الإنجاز، وما أعظم العمل اللائق بأفذاذ الرجال، قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}.
فلك الحمد والفضل والمنة يا أكرم الأكرمين يا رب العالمين.