أكثر ما يؤرق الحجاج والمعتمرين في مكة المكرمة في التسعينات الهجرية من القرن الماضي إيجاد أماكن الإيواء المناسبة التي يمكن أن تستوعب الأعداد المهولة منهم. أذكر أن مسؤولي حملات الحج كانوا يعتمدون على أنفسهم في نصب الخيم، وتجهيز المواقع في محيط الحرم الشريف، ثم يتولون مسؤولية توفير الماء والغذاء لأفراد الحملة. مهمة شاقة لا تخلو من العقبات. وقبل ذلك كانت هناك معاناة السفر، ومخاطر الطريق، وعقبات كثيرة تجعل رحلة الحج أشبه ما تكون بحملة جهاد في الصحراء، وقد صدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حين قال: (جهاد الكبير، والصغير، والضعيف، والمرأة: الحج والعمرة).
تذكرت تلك الصورة، ومعاناة الحجاج والمعتمرين، بعد أن شاهدت التطوير الكبير الذي شهدته منطقة الحرم، والعمل الجاري على قدم وساق في تجهيز الساحات المحيطة بالمسجد الحرام التي أزيل جزؤها الشمالي بالكلية تمهيداً لإقامة مشروعات خاصة بساحات المسجد الحرام، للتسهيل على الحجاج والمعتمرين وتمكينهم من قضاء مناسكهم بيسر وسهولة.
وعلى الجانب الآخر هناك مشروع جبل عمر الضخم الذي يُنبيء بتحويل المنطقة الغربية للحرم إلى منطقة إيوائية حديثة تحتوي الفنادق والمجمعات السكنية والأسواق والممرات وساحات شاسعة تسهل على الحجاج والمعتمرين السكنى والتنقل إلى المسجد الحرام.
وهناك مشروع تطوير منطقة جبل الكعبة الذي يهدف لإنشاء إسكان فندقي لخدمة الحجاج والمعتمرين يلبي الاحتياجات المتزايدة للحجاج والمعتمرين والزائرين، وإنشاء طرق وممرات مشاة وساحات عامة وأماكن انتظار مركبات ومحطات نقل. يتكون المشروع من أبراج فندقية ومحلات تجارية تطل على الحرم المكي الشريف. وهناك أيضاً مشروع تطوير منطقة جبل خندمة حيث يهدف إلى استغلال وتخطيط المنطقة الجبلية الوعرة وغير المأهولة شرق الحرم لبناء مجموعة من الأبراج الفندقية التي تطل على الحرم المكي الشريف. مشروع تطوير منطقة موقع مستشفى أجياد هو أحد المشروعات المهمة، حيث يهدف المشروع إلى إنشاء مبنى صحي سكني فندقي وتجاري في الموقع المخصص له شرق المستشفى الحالي وتطوير الموقع الحالي كتوسعة لساحات الحرم الشريف. وتشتمل خطة التطوير على إنشاء مستشفى متكامل ومركز طبي متقدم مجهز بأحدث التقنيات، وتقديم أرقى خدمات الإسعاف والطوارئ، والمساهمة في توسعة ساحات الصلاة حول المسجد الحرام وتقديم الخدمات المناسبة لها، وإنشاء مشروع سكني فندقي لتقديم أرقى الخدمات الفندقية اللائقة بزوار البيت الحرام وتأمين أفضل إطلالة ممكنة على المسجد الحرام.
مشروعات جبارة وطموحة، وجريئة في الوقت نفسه. تكلفة تلك المشروعات تناهز 40 مليار ريال وهو مبلغ ضخم ولا شك، إضافة إلى أن ما تسببه تلك المشروعات من ضغط مباشر على منطقة الحرم خاصة في موسمي الحج والعمرة اللذبن يشكلان ضغطاً بشرياً على المنطقة لا يمكن التعامل معه في الوقت الذي تنتشر فيه معدات الهدم والبناء، وتفجير الصخور في كل مكان. تحقيق استمرارية مواسم الحج والعمرة وتدفق الزائرين، مع استمرار العمل في البناء والتعمير أمر في غاية الصعوبة إلا أن حكومة خادم الحرمين الشريفين نجحت في خلق التوازن المنشود لتحقيق نقلة نوعية في الجانب العمراني وتوسعة الحرم ليكون قادراً على استيعاب الأعداد المتزايدة للحجاج في كل عام.
نشهد في اليوم الوطني هذه النقلة النوعية التي أحدثها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين والنائب الثاني في منطقة مكة المكرمة، وفي الحرم الشريف على وجه الخصوص، والمناطق الأخرى أيضاً. تلك النقلة أسهمت في تهيئة منطقة الحرم لتفويج وإيواء أعداد تناهز الثلاثة ملايين حاج، وربما أكثر من ذلك. إيواء الحجاج وخدمتهم والتيسير عليهم، تقرباً لله سبحانه وتعالى، هدف هذه الدولة المباركة، وحكامها ومسؤوليها ومواطنيها، ولم تنقطع هذه الدولة المباركة عن خدمة الحجاج والمعتمرين، وتطوير الحرم وتوسعته منذ عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وعلى ذلك النهج سار أبناؤه من بعده. أدعو الله أن يحفظ بلادنا وأن يديم علينا نعمة الأمن والإيمان وأن يبارك في جهود خادم الحرمين الشريفين وإخوانه وأعوانه، ويوفقهم إلى ما فيه خير البلاد والعباد.