أحياناً قد يختلف أبناء المجتمع الواحد في رؤية الواقع، وكيفية الخروج منه إلى المستقبل، وهل يجب أن نعتلي سنام التفاؤل ونمضي إلى الغد متطلعين لعصر يضيء بالأمل على مستقبل أبنائنا، أم يجدر بنا ألا نفرط في التفاؤل، وأن نضع للتشاؤم ركناً دائماً في رؤيتنا المستقبلية..
التفاؤل ضرورة لأولئك الذين يعملون ويأملون الوصول إلى النتائج الإيجابية، كذلك يحتاج المجتهد إلى شيء من التشاؤم لئلا يصدمه الواقع، أما أولئك الذي توقفوا عن العمل والأمل، فلا مكان لهم في المستقبل، وعليهم الخروج من ميدان العمل، وأن يعيشوا منعزلين مع مشاعرهم وأوهامهم لأن المستقبل لا يأتي إلا بأولئك الذين وضعوا نصب أعينهم العمل بإخلاص من أجل تجاوز عنق الزجاجة في تاريخ الوطن، وقرروا أن يعملوا بجد من أجل دفع واقعهم إلى الأمام..
عندما أتحدثُ عن التشاؤم كحالة تفكير متلازمة مع الإنسان العربي تلوح حالة أولئك الذين اختاروا أن تضع زوجاتهم حملهن في الولايات المتحدة وكندا وذلك لتهيئة خطة للهروب إلى المستقبل إذا قرر مجتمعه العربي في يوم ما الرجوع إلى الماضي، والعودة إلى الجهل والصراع والفوضى، ولعلي شهدت صوراً أكثر تشاؤماً في واقعنا المحلي إذ تنامى إلى علمي أن بعض السعوديين أصبح يسافر بزوجته الحامل في شهرها التاسع إلى أمريكا وكندا من أجل وضع ولد يحمل الهوية الأمريكية ليحظى بالمناعة والحماية القانونية أينما حل..، وحسب رأيي هذه هي قمة الحذر المصحوب بالتشاؤم، والطريقة الأسرع والأجدى في خطة الهروب خارج الزمن العربي الراهن..
كان الشعار الأكثر تشاؤماً المقولة الشهيرة : رأس المال جبان أي يهرب إذا شعر بالخطر، لكن في عصر الإنترنت والسرعة أصبحت الخبرات والقدرات البشرية أيضاً تتصف بالجبن الذي يجعلها تهرب إذا لم تشعر بالأمان، وأن يضعوا خططاً بديلة للهروب إلى المستقبل..، وأكاد أجزم أننا في حاجة ملحة لكي نتوقف عن الصمت ولو لفترة زمنية قصيرة من أجل تقييم ما تم إنجازه، وأن نستشف معوقات تحقيق الإنجاز الحقيقي ألا وهي ثقافة الاستقرار وجسر الانتقال إلى المستقبل..
لم يتعرض مجتمع للوي العنق إلى الخلف مثلما تعرض له المجتمع السعودي، فقد اتجهت عيون الناس بمختلف مشاربهم إلى الماضي، وذلك من أجل البحث عن التطور والخروج من أزماتهم المعاصرة، بل إن بعضهم اختار أن يعيش خارج المكان، ويحاكي أزمنة مضت على الرغم من أن راحلة الماضي توقفت عن السير منذ رُفعت المصاحف على رؤوس الرماح في عصر الفتنة..
منذ ذلك اليوم ونحن في حالة انتظار لخروج المهدي ليعيد التاريخ إلى تلك اللحظة من أجل أن نبدأ من ذلك الزمن رحلة الغد، لكن الأيام لا يمكن لها أن تتوقف عند واقع محدد، فقد تجاوزتنا الأمم الأخرى، ونحن في حالة انتظار عند زاوية الأمس، ويبدو أن الأمل في تجاوز الماضي له بارق في سماء المملكة، فبوصلة الأمل تتجه نحو المستقبل، والقرارات الرائدة والشجاعة ستقود القافلة إلى المستقبل..
أرى أن أكبر معضلة تواجه الوطن أولئك الذين اختاروا أن يستمروا في مواقع إدارية ووزارية لكنهم اختاروا أن ينضموا إلى قافلة المتوقفين عن العمل، وذلك لأنهم يعتقدون مخطئين أنهم بذلك يرتكبون أقل أخطاء مما يشفع لهم الاستمرار في مواقعهم إلى فترات أطول..، وأعتقدُ أن السبب الأهم في استمرارهم خارج دائرة الاهتمام بالمستقبل هو البيروقراطية المتجمدة، التي تتحرك ببطء شديد لدرجة أن المشاريع الكبرى يتم اعتمادها خارج دائرة القفص البيروقراطي، وهؤلاء ضد المستقبل، ويقفون حجر عثرة في طريق قدومه المنتظر..
يحمل أبو متعب حفظه الله بين أضلعه قلباً نابضاً بإرادة العبور إلى المستقبل، وما حققه من نجاح في مجال التعليم العالي يعني أننا مؤهلون بإذن الله للسير إلى الأمام، وتجاوز المعوقات الأخرى، وأن نأتي بالمستقبل إلى أرض الوطن..