دخلت المملكة التاريخ العالمي للجامعات الكبرى بتأسيس وافتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية؛ وبهذا تكون هي سادس أغنى جامعة في العالم، بما توفر لها من إمكانيات ضخمة قائمة ووقفية.
وتأتي سادسة بعد: هارفارد، ييل، برنستون، ستانفورد، إم أي تي.. ولكن ينظر إليها على أنها جامعة هارفارد الشرق الأوسط، أو جامعة ييل الشرق الأوسط.
وخلال ثلاث سنوات أو أقل تم بناء هذه الجامعة في زمن قياسي بظروف ومعطيات نظام الإنشاءات الكبرى في المملكة؛ ففي يوليو 2006م وضع الملك عبدالله حجر الأساس، وبدأت الدراسة في هذا الشهر، وتم افتتاحها رسمياً يوم الأربعاء الماضي تزامناً مع احتفال المملكة والشعب السعودي باليوم الوطني التاسع والسبعين، وبحضور حشد كبير من قادة عرب ومسلمين ودوليين، إضافة إلى شخصيات عالمية وعلماء وباحثين من كثير من دول العالم.
ويجب أن نقف عند المبادئ الستة لهذه الجامعة، كما أشار إلى ذلك نظامها:
1- إنشاء مجتمع دولي من العلماء الذين يكرسون جهودهم للعلوم المتقدمة.
2- الترحيب بالرواد في مجال العلوم والتقنية والتجارة والأعمال والتعليم من خلال التعيين والشراكات.
3- توفير الحرية للباحثين للإبداع والتجريب.
4- تجسيد أعلى المعايير الدولية للمستوى العلمي والبحوث والتعليم والتعلم.
5- توفير الحرية الكاملة للحصول على المعلومات وتبادل المعارف والمهارات والخبرات لتحقيق النمو والازدهار الاقتصادي.
6- احتضان وحماية حرية البحث والفكر والنقاش فيما يتعلق بالعمل العلمي.
وهذه المبادئ الستة هي نقاط ارتكاز محورية في إنجاح مشروع هذه الجامعة أو أي مؤسسة تعليم عال أخرى يراد بها النجاح والتميز والإبداع؛ فوجود مجتمع علمي حقيقي في مجال تخصص معين من شأنه أن يرتقي بالتخصص، ويبني منافسات علمية قوية تعزز مكانة هذا التخصص.. كما أن استقطاب رموز وشخصيات علمية رائدة أو متميزة سيرتقي ويستدعي أحدث الأفكار والنظريات والنقاشات في هذا الميدان العلمي.. أما الحرية فهي مطلب مهم في تطوير العمل التخصصي بدون قيود اجتماعية أو إدارية.. فالخيال العلمي المفتوح أساس استكشاف النظريات والمخترعات.. والحرية يجب أن تكون هي البيئة المشجعة لمثل هذا التناول.. ولا شك أن تبني أعلى وأفضل المعايير الدولية مقياساً لبناء وتقويم النجاح والتطور سيساعد على أن تكون المؤسسة العلمية في منافسة عالمية مع كبرى المؤسسات المتخصصة. ومن ناحية أخرى فإن توفر مصادر التعليم والتعلم هو أساس نجاح العملية التعليمية في أي مؤسسة تعليمية.. وأخيراً، فحرية البحث والنقاش والحوار في مجال التخصص العلمي بمثابة ارتكاز مهم في توليد مزيد من الأبحاث والمعارف المتخصصة والارتقاء بها.
جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية هي إضافة نوعية لجميع مؤسسات التعليم العالي في المملكة، بل في العالم العربي والإسلامي.. فهذا في حد ذاته إنجاز كبير لبلادنا في أهم مجالات التعليم: وهو التعليم العالي.. ولكن..
ماذا يمكن أن تقدم هذه الجامعة الجديدة لمنظومة جامعاتنا السعودية القائمة..؟ هذا هو سؤال محوري يجب أن نفكر فيه بصوت مسموع، وبنقاش حر، وبرؤية استراتيجية عليا.
بطبيعة الحال نحن لا نريد أن تكون جامعة الملك عبدالله جزيرة منفصلة لا تتصل أو تؤثر على المحيط الذي تعيش فيه، ولو كانت على هذا الشكل، نكون فعلاً قد أخفقنا المشروع الحلم للملك عبدالله بن عبدالعزيز، حيث إنه يريد أن تقود هذه الجامعة باقي الجامعات السعودية وتنهض بالفكر العلمي، وترتقي بالممارسات البحثية، وتؤسس تجربة علمية تطبيقية فريدة تنتفع منها الشركات والمؤسسات الصناعية والتنفيذية على مستوى المملكة وعلى مستوى العالم. كما تجسد الجامعة صورة إيجابية عن المملكة بما تحتويه من خبرات عالمية وباحثين دوليين وجيل علمي متمكن في مجالات اختصاص الجامعة: الموارد والطاقة، العلوم البيولوجية والهندسية والرياضية والحاسب، ويصبح هؤلاء سفراء لنا في المحافل الدولية والمنتديات العلمية.. جامعاتنا يجب أن تبدأ مرحلة جديدة من تاريخها؛ فما كان قبل 2009م يجب أن يكون مختلفاً عما سيحدث بعد 2009م.. صحيح أن بعض الجامعات مثل جامعة الملك سعود وجامعة الملك فهد - على سبيل المثال - قد خطت خطوات نوعية خلال العامين الماضيين، والذي ربما يعزى كذلك إلى كون هذه الخطوات كانت تعيش في فضاء تأسيس الجامعة الذي بدأ تدشينه قبل نحو ثلاثة أعوام..
ولهذا فإن وزارة التعليم العالي ينبغي أن تبدأ مرحلة (صناعة تأثير) على الجامعات الأخرى بعد افتتاح هذه الجامعة الرائدة.. فلو تم تنظيم مؤتمر وطني عام يتوجه إلى كيفية الاستفادة من فضاء جامعة الملك عبدالله في محيط جامعاتنا السعودية، وكيف لنا أن نستفيد من تجربة هذه الجامعة في بلورة رؤية، وبناء مسارات جديدة لجامعاتنا، فسنكون بهذا قد حققنا أهدافاً كان خادم الحرمين الشريفين يتطلع إليها بتأسيسه هذه الجامعة.. وفي هذا المؤتمر الوطني ينبغي أن نناقش المبادئ التي يرتكز عليها التعليم العالي كأساس لتطوير الواقع الحالي واستشراف مستقبل الجامعات في بلادنا.
* المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية
أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود
alkarni@ksu.edu.sa