إعلان رئيس الوزراء البريطاني أن قمة العشرين ستصبح المجلس العالمي للاقتصاد يظهر التطور الإيجابي السريع الذي نتج عن التنسيق بين الدول المكونة لهذه المجموعة، وذلك نتيجة لكونها تشكل مجتمعة قرابة 90 بالمائة من اقتصاد العالم، كما تتميز بضمها لأبرز الدول نموا في العالم خصوصا الصين والهند والبرازيل وأيضا لكون العشرين دولة تغطي أكثر من نصف سكان الأرض وتضم أبرز الدول امتلاكا لاحتياطات نقدية تصل لقرابة 7 تريلونات دولار لمح السيد براون نفسه لها ولضرورة تحريكها باتجاهات تخدم الاقتصاد العالمي عبر تغيير أساليب تعامل صندوق النقد الدولي لدعم الاقتصاد العالمي بشكل يضمن تحريك هذه الأموال ضمن جسد الاقتصاد الدولي بطرق تبتعد قليلا عن الحسابات الخاصة لكل دولة تملك احتياطا ضخما.
ومن الواضح أن الدول الكبرى اقتصاديا والتي تعتبر أيضا أكثر المتضررين بالأزمة أصبحت تستشعر أهمية الدول القادمة لمنافستها وأنه لا سبيل اليوم للتحكم بالاقتصاد العالمي عبر الأساليب القديمة ومن خلال قمة الثمانية تحيدا فلم تعد هذه القوى قادرة على مواجهة المستقبل كونها مثقلة بمشاكل هيكلية في أنظمتها المالية وأن إصلاحها مع برامج التحفيز المكلفة جدا سيجعلها تفقد دورا كبيرا بالعالم لحساب دول قادمة بقوة نحو الريادة الاقتصادية الدولية.
مما تطلب من تلك الدول ضم المنافسين تحت لواء قمة العشرين، وبالتالي تشكيل مجلس اقتصادي دائم للعالم يتعاون فيه الجميع أكثر مما يتنافسون، ومن الواضح أن الجميع سيستفيد ولكن يبقى للدول العظمى حساباتها التي أجبرتها الظروف الحالية لتقبل ما لم يكن في بالها سابقا خوفا من الهزيمة والتقهقر الحتمي في العقود القادمة لصالح القوى الجديدة.
فلم يعد بالإمكان الاستغناء عن استثمارات الدول النامية بأسواقها ولم تعد تلك الدول المتقدمة قادرة على إسداء النصح واتخاذ موقع القائد بعد أن انكشفت بهذه الأزمة اقتصادياتها خصوصا أنها خرجت من رحم أسواقها وبمباركة من أنظمتها التي اتضح أنها مليئة بالثقوب مما سمح بتعرض مؤسساتها المالية لأخطر أزمة عبر التاريخ.
ومن هنا كان لزاما عليها أن تقبل بالواقع الجديد وأن تقر بضرورة التعاون الدولي مع المنافسين خوفا من تسارع التطورات التي ستكفل إزاحتهم من مواقع القمة بالاقتصاد الدولي خلال فترة أقل من المتوقع فما تنادي به الدول الكبرى هو ضرورة فتح الأسواق بالدول النامية لمنتجاتها واستقبال الاستثمارات من الاحتياطات الكبيرة بمؤسساتها وشركاتها المتضررة وإيجاد صيغة للتعاون تستطيع من خلالها البقاء في القمة لفترة أطول وخلق الاستقرار الدولي على كافة الصعد فالمنافسة قد تحول مسار العلاقات الدولية إلى ما لا تحمد عقباه.
فما يتسرب من أخبار عن قرارات محتملة ستصدر عن القمة يعطي إشارة واضحة عن تنازلات تقدمها الدول الكبرى لصالح النامية في الكثير من المؤسسات الدولية كصندوق النقد من خلال إعطاء حصة بالأصوات أكبر من الحالي ولكن بالمقابل ستتغير أيضا سياسات الصندوق من خلال ضخ المزيد من الأموال به لدعم الدول الفقيرة وتقديم قروض وضمانات لها أكبر من السابق.
وقد نرى اقتراحات لإنشاء مقر دائم وتعيين مندوبين دائمين لكل دولة وإقرار صيغة لعمل المجلس يحدد لكل دولة صلاحياتها ورأيها بالقرارات الصادرة وحق الاعتراض والموافقة عليها وكذلك إعطاء دور لهذا المجلس بتسيير أمور المؤسسات الاقتصادية الدولية وقد يكون له دور أكبر بمراقبة تجاوزات الدول الأعضاء بتلك المؤسسات في حال تفاقم الخلافات مستقبلا مما يعني أنه سيكون بمثابة مجلس أمن اقتصادي وهذا بالتأكيد سيأخذ حقه من الوقت حتى تتبلور الصورة ويهضم العالم فكرة وجوده.
المجلس الاقتصادي الدولي يأتي على غرار مجلس الأمن ولكن بصيغة ترسم التحكم بمسار الاقتصاد العالمي وتفرض التعاون على حساب المنافسة والصراع وإذا أرادت الدول النامية الاستفادة فعليها أن تكون أكثر قدرة على فرض آرائها لأنها أقوى من أي وقت مضى فقوة المال وعافية الاقتصاد لديها تفرض نفسها بفرصة قد لا تتكرر، وبالتالي لابد من استغلال هذا الواقع لإيجاد توازن بين الجميع يلغي التحكم المفروض حاليا من الدول الثمانية الكبار بكل قضايا العالم من خلال قوة اتضح أنها تحمل كثيرا من الوهم والوهن مما يعني إمكانية أن يصبح العالم أكثر عدلا من السابق وتقليل الهيمنة الفكرية والحضارية لدول أرادت لعقود إلباسنا ثوبها برغم تشوهاته قلبا وقالبا.