أولاً أقول لكم جميعاً: تقبَّل الله منا ومنكم، وكلّ عامٍ وأنتم بخير.
|
ثانياً: أنقل لكم نص رسالةٍ جوَّاليةٍ هي التي دفعتني إلى الكتابة في موضوع السعادة هنا، تقول الرسالة: (كُلّ عامٍ وأنتم بخير، أرجو أن تكون سعيداً يا دكتور بهذا العيد، أما أنا فبيني وبين السعادة بعد المشرقين، واعذرني إنْ كنت قد عكَّرت صفو سعادتك بهذا الكلام، ولماذا أعتذر؟ ربما كنتَ أنت مثلي غير سعيد، وإذا كنت سعيداً فدلّني على درب السعادة، فأنا في غاية الشقاء).
|
هذه الرسالة استوقفتني طويلاً، وقد جاءت بعدها رسالة تقول صاحبتها: (ما مفهوم السعادة برأيك؟ أرجو الرد ضروري جداً، وعذراً على الإزعاج)
|
فضممتها إلى تلك الرسالة التي سبقتها، وظللتُ أتأمَّل معنى السعادة ومفهومها، وسألت نفسي السؤال الوارد في الرسالة الأولى نفسه: (هل أنا سعيد؟)، ثم تساءلت: ما نسبة السعادة في نفوس هذه الأعداد الهائلة من البشر الذين يتبادلون رسائل التهنئة في هذا العيد المبارك الذي يأتي بعد صيام وقيام شهر رمضان المبارك؟؟
|
وقلت لنفسي: أما هذا السؤال عن نسبة السعادة، فلن أستطيع الإجابة عنه، لأنه يحتاج إلى استقراءٍ وإحصاء.
|
وأما السؤال عن مفهوم السعادة فهو الذي يمكن أن أسمح لقلمي أن يكتب فيه بعض الكلمات دون تكلُّف ولا تصنُّع، لأن لدينا - نحن المسلمين - ما يمكن أَنْ نحدِّد به مفهوم السعادة بوضوح، وذلك من خلال ما علَّمنا الله سبحانه وتعالى الذي منَّ علينا بنعمة الإسلام العظيمة، ومن خلال ما أرشدنا إليه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.
|
حينما سألت نفسي عن مفهوم السعادة قبل أن أسطِّر هذه المقالة أجابتني على الفور بقولها: (السعادة أن يكون باطن الإنسان منسجماً مع ظاهر، وأنْ يكون كامل الرّضا بقضاءِ الله وقدره) ووجدتني مقتنعاً بهذه الإجابة السريعة، محتفلاً بها مع نفسي، وبعثت بها إلى تلك السائلة عن مفهوم السعادة، فجاءني ردُّها سريعاً تشكرني وتؤكد لي أنها قد وجدت في نفسها راحةً واقتناعاً بهذه الإجابة.
|
نعم أيها الأحبة، إن انسجام ظاهر الإنسان وباطنه دليل على استقرار نفسه، واطمئنان قلبه، وهو من أهم أسباب رضا الإنسان عن نفسه المستقرة الهادئة التي لا تعاني أيِّ قلق أو اضطراب، وهذه النفس المنسجمة المستقرة جديرةٌ بأن تكون سعيدةً كلَّ السعادة، قادرة على مواجهة ما لا مناص منه من منغّصات الحياة، وهي لن تكون على هذا القدر من الهدوء والانسجام والاستقرار إلا إذا كان رضاها الكامل بقضاء الله وقدره سمةً من سماتها لا تنفصم عنها.
|
إنَّ السعادة مرتبطة بانشراح الصدر، وانشراح الصدر مرتبط بالإيمان، ومن أركان الإيمان (الإيمان بالقدر خيره وشره)، والإيمان بالقدر ينشر الرِّضا في جنبات النفس البشرية فهو يعلِّم الإنسان أنَّ ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وهذا طريق ممهد للشعور بالسعادة، مهما كانت المنغّصات، ويؤيد هذا حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: (عجبت لأمر المؤمن، إنَّ أمرَه كلّه خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إنْ أصابته سرَّاء شكر فكان خيراً له، وإنْ أصابته ضرَّاء صبر فكان خيراً له).
|
وفي كتاب الله عز وجل يرتبط انشراح الصدر بالهداية والإيمان (ومَنْ يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام).
|
وهذه المعاني العظيمة هي التي تحقق انسجام باطن الإنسان مع ظاهره، وتفتح أمامه أبواب الرِّضا بقضاء الله وقدره دون حواجز أو عوائق، كما تفتح أمامه أبواب (سلامة الصدر، وصفاء القلب)، وهي أبواب مفتوحة لكل معنى جميل، مغلقة أمام أسباب الشقاء من غلٍّ وحقد وحسد وبغضاء، وخداعٍ، وإساءة إلى الآخرين، وحبٍّ للانتقام، إلى آخر هذه القائمة التي تشعل نيران الشقاء في قلوب من يُبتلى بها أو بشيءٍ منها.
|
السعادة بين جنبيك أيها الإنسان فتأمَّل.
|
|
أختاه يفقد هذا الكون معناه |
لولا رضانا بما يقضي به اللهُ |
|