منذ تفجر الأزمة المالية العالمية التي تلت انهيار بنك (ليمان براذر) وما تلا ذلك من انهيارات مالية في بعض الدول، وأزمة سيولة، وانهيارات في أسواق الأسهم العالمية، وفشل في صفقات إنقاذ بعض النظم المالية، والآمال معقودة على الجهود التي تبذلها دول مجموعة العشرين لكبح تأثيرات الأزمة من أن تتحول إلى كساد عالمي مثلما حدث عام 1929م، بالنظر إلى ديناميكية عمل المجموعة ومؤتمراتها المتوالية لغرض تحقيق هدفين رئيسين: الأول: ضمان عدم تكرار مسببات الأزمة من خلال اقتراح معايير قانونية لفرض رقابة فعالة في إطار المصارف العالمية وأسواق المال. والثاني إنعاش الاقتصاد العالمي وانتشاله من خطر الانكماش والركود.
وكالعادة افتتحت أعمال القمة بتصريحات دبلوماسية من بعض زعماء دول المجموعة ورؤساء الوفود وبعض المنظمات الدولية المعنية والتي تميل إلى العموميات، وإن تضمن تصريح الرئيس الأمريكي باراك نقاط عملية مهمة عندما تحدث عن ضرورة إقرار لوائح مالية أكثر صرامة، ووضع حد أقصى لأجور المصرفيين، على الرغم من أنه أشار إلى توقعات ضئيلة باتخاذ إجراءات خلال الأجل القصير. فالشعوب تتطلع إلى ان تسفر القمة عن إجراءات عملية لإيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية القائمة.
ففي ما يتعلق باللوائح المالية، تكون الآمال معقودة باعتماد المجموعة لقواعد مالية رقابية وتنظيمية تلتزم بها المصارف العالمية من خلال تشريعات داخلية مستمدة من تلك القواعد التي يفترض أن تعتمدها دول المجموعة، أو إقرار قواعد موحدة على صيغة معاهدة أو اتفاقية دولية تكون مفتوحة العضوية لأي دولة ترغب الانضمام إليها على غرار اتفاقية (بازل2). فقد تضمنت مسودة البيان الختامي للقمة، حسب ما نشر عنها في وسائل الإعلام، أن زعماء المجموعة (سيسعون) لتطبيق قواعد جديدة بحلول عام 2012م لتحسين وضع وحجم رأس مال البنوك وتنظيم الأجور والمكافآت في البنوك الكبرى والشركات المالية، وقواعد تتعلق بالرقابة الصارمة بالنسبة للمخاطرة والإقراض. وإقرار مثل تلك القواعد، يعد إنجازاً يحسب لدول المجموعة إن تمت خلال الفترة الزمنية المحددة لها.
أما ما يتعلق بإنعاش الاقتصاد العالمي من الانكماش أو الركود، فالمطلوب من دول المجموعة اعتماد توصيات تدفع النظام الاقتصادي العالمي نحو المزيد من تحرير التجارة الدولية والتقليل من الاعتماد على الحماية التجارية بمختلف أساليبها حتى لا تتكرر أزمة الكساد العالمي التي حدثت في القرن الماضي نتيجة لانهيار أسعار الأسهم في بورصة نيويورك عندما لجأت دول أوروبا لتطبيق سياسات تجارية حمائية أشعلت الخلافات السياسية، وأدت إلى تعميق الأزمة الاقتصادية التي لم تنته إلا بعد الحرب العالمية الثانية وظهور نظام مالي جديد متمثل في قواعد (الجات) وإنشاء البنك وصندوق النقد الدوليين.
فقد تضمنت مسودة البيان تعهد الزعماء بالعمل (بأسرع ما يمكن لإنجاز جولة الدوحة من محادثات التجارة العالمية، والعمل على تعزيز تحرير التجارة). وهذه الجمل الدبلوماسية التي غالباً ما تتكرر في المؤتمرات الاقتصادية لا قيمة لها عملياً إن لم تفعل على أرض الواقع بتقديم تنازلات عن المواقف المتصلبة من قبل بعض الأطراف في إطار النظام التجاري المتعدد الأطراف.
أو التراجع عن النزعة الحمائية التي انتهجتها بعض دول المجموعة للتغلب على آثار الأزمة الاقتصادية.
وقد نكون بحاجة إلى تقييم الوفد السعودي للنتائج والتوصيات التي أسفرت عنها القمة، وآليات تنفيذها، ومسارها الزمني.