Al Jazirah NewsPaper Monday  28/09/2009 G Issue 13514
الأثنين 09 شوال 1430   العدد  13514
بين قولين
البارانويا
عبد الحفيظ الشمري

 

يعد داء (البارانويا) أو النرجسية، أو هوس العظمة من أخطر الأمراض النفسية التي تجتاح العالم هذا العصر؛ لا سيما مجتمعنا العربي، حيث باتت الإحصاءات والدراسات تؤكد استفحال هذا الداء في العديد من الأشخاص، بل إنه أضحى ينتشر كالنار في الهشيم، فالمرض رغم أنه غير قاتل، إلا أنه يحمل الكثير من الأبعاد النفسية الأليمة، ويبرز العديد من الصور الإنسانية الفادحة.

فهذا الداء كما تحدده الدوائر الطبية العربية والعالمية غالباً ما يصيب الأشخاص الذين يواجهون الكثير من المشاكل الأسرية، والمصاعب الاجتماعية، ومن يعانون في مراحل طفولتهم المضطربة، بل إن أخطر هؤلاء هم من يعيشون نتائج تعاطي وإدمان المخدرات بأنواعها، فيتصور المصاب بهذا المرض أنه صاحب مكانة عالية في المجتمع، أو أنه مميز في عمله، وخارق للعادة في ذكائه وفطنته، بل يعتقد أن العالم يطارده، ويحاول أن يثني عزمه، ويقضي على طموحه، بل يتوهم أن من حوله يتطفل على حياته الفذة، وأن هناك من يمارس التحري والتلصص من أجل الإيقاع به لدى أي جهة.

فهو الذي يتحدث وكأنه بوعي كامل عن كل ما يدور حوله وبهدوء عجيب، وبثقة كبيرة، فقد يشير - وهو الإنسان البسيط - إلى أنه قابل هتلر ونصحه في الخروج من باريس المهدمة، وعدم غزو بريطانيا العظمى في الحرب العالمية الثانية، بل يشير إلى أن صدام حسين هاتفه قبل غزو الكويت، أو أن أم كلثوم سألته عن مدى ملاءمة لحن أغنية (ثورة الشك) لطبقة صوتها، وما إلى تلك الهواجس والتهيؤات.

فقد ثبت هذه الأيام أن (البارانويا) المحلية والعالمية صنفت من الأمراض المعدية، والخطيرة على المجتمع، فالباحث في شؤونها يؤكد أن أي إنسان سليم قد تنتقل إليه عدوى البارانويا، أو داء العظمة، لا سيما حينما ينساق وراء تهيؤات المصاب، ويصدق كل ما يزعمه هذا المريض، أو يأخذ مقولاته على محمل الجد.

إلا أن ما يلفت الانتباه هو أن هذه الحالة المرضية غير منتشرة في الماضي بين فعاليات المجتمع، وإن وجدت، فإن المصاب فيها قد يواجه في الغالب حملة نقد عنيف تخرجه من عزلة المرض، أو أن يُعتَقَد أنه ممسوس، أو أن الجان لاذوا فيه، فيتعرض للكي والضرب ظناً منهم أنه الحل المناسب، فقد يبرأ من مرضه أو يزداد، فتقضي عليه هجمة أوهامه لتلقي فيه أحياناً من أعلى نخلة، أو سطح دار، أو يسقط من علو جبل.

وتعود أسباب مرض (البارانويا) في العصر الحديث إلى الانجرار خلف مزاعم القدرات التي يطالعها في الآخرين لا سيما المشاهير، وما يمتلكونه من حظوة، وشهرة ومال، فتنمو لدى هذا الشخص الضعيف هذه الخيالات، وقد تجد لها مرتعاً خصباً في عقليته، حتى يبدأ في تقمص الشخصية والحديث عن ذاته باعتباره هو ذلك الرجل المشهور، أو قريبه، فالطب يثبت الآن أنه عاجز عن فعل أي شيء تجاه هذا المرض، إلا أنه يبذل المحاولات في علاج جوانب فرعية قد يؤثر فيها العلاج الكيميائي، لكن تبقى معضلة العقل الذي لا يمكن الوصول إليه حتى الآن.



hrbda2000@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد