المجتمع الدولي بمؤسساته وعلى رأسها الأمم المتحدة يعاني مشكلتين كبيرتين أسهمتا في إشعال حروب عدة، واستمرار صراعات أخرى. الأولى هي ازدواجية المعايير في التعامل مع الخلافات والأزمات الدولية بما يتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة الذي ينادي بالتساوي بين الدول في المعاملة وبحل الخلافات فيما بينها بالعدل. والمشكلة الثانية أن مؤسسات المجتمع الدولي لا تملك أدوات إلزامية لفرض قرارات الشرعية الدولية على الدول المخالفة إلا إذا كانت الدول الكبرى عندها الرغبة في ذلك!. وكأن الأمم المتحدة مجرد ذراع سياسي وقانوني لهذه الدول لتنفيذ مخططاتها الخاصة التي قد لا تكون بالضرورة في مصلحة المجتمع الدولي!.
هاتان المشكلتان تتضحان بشكل جلي في التعامل مع القضية الفلسطينية. فالأمم المتحدة بمؤسساتها وخصوصاً مجلس الأمن يتعامل مع الجاني والمجني عليه على حد سواء، وذلك بسبب الضغوطات التي تمارسها الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية باتجاه منع إصدار قرارات تدين إسرائيل، وكأن حق النقض (الفيتو) ما أوجد إلا لحماية إسرائيل من أي إدانة دولية. وفي ظل مثل هذا النوع من التعامل كيف نأمل بحل القضية الفلسطينية إن كان الجاني - إسرائيل - تتمتع بحماية وتغطية قانونية دولية. وحتى التقرير الأخير الذي صدر حول حرب إسرائيل على غزة والذي قال إن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب لا نظن أنه سيؤثر كثيراً، وسيبقى حبراً على ورق، وهذا يسوقنا إلى المشكلة الثانية وهي افتقار المؤسسات الدولية لقوة الإلزام، وبقاؤها تحت رحمة سياسات الدول الكبرى.
ولذلك طالبت المملكة في كلمتها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بضرورة إصلاح هذه المؤسسة العتيقة وتوسيع مجلس الأمن ليتناسب مع المعطيات الجغرافية ولاعتماد مزيدٍ من الشفافية والفعالية في التعامل مع مختلف القضايا الدولية. ومن أهم ما يمكن إصلاح الأمم المتحدة به هو تقييد استعمال حق النقض فيما يتعلق بالإجراءات التي يقصد بها تنفيذ القرارات التي سبق لمجلس الأمن إقرارها. إذ كيف لمجلس الأمن أن يتخذ قراراً لحل أزمة ثم إذا جاء وقت تنفيذ القرار تأتي دولة لتعطله دون وجه حق!، وقد يظل التعطيل لسنوات وسنوات كما هو حاصل مع القرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية.
****