يبدو أن الفصل الدراسي الأول من العام الدراسي 1430- 1431هـ سيكون فصلاً استثنائياً بسبب تخوف المسؤولين في قطاعات الدولة من انتشار وباء إنفلونزا الخنازير بين الطلاب والطالبات قبل وصول جرعات اللقاح في نهاية اكتوبر 2009م.
وقد وضعت وزارة التربية والتعليم خطة استراتيجية متوازنة لمواجهة خطر المرض في حال ظهوره في المدارس - لا قدر الله - جمعت فيها بين الجرعات الوقائية الإرشادية من جهة، وبين الخطوات العلاجية العملية من جهة أخرى، كما اتسمت هذه الخطة بوضوح المهام والمسؤوليات المناطة بعناصر العملية التعليمية كلا حسب موقعه واختصاصه، ومن الظاهر جداً من فقرات هذه الإستراتيجية أنها حصيلة اجتماعية ومشاورات مطولة لمجموعة من الخبراء في الشأن الصحي والتربوي.
وبما أن هذه الإستراتيجية وضعت من قبل المسؤولين الإداريين بالدرجة الأولى فإني أرى أنها لم تراعِ - بدرجة كافية - الواقع الميداني لمدارس التعليم العام، ولم تأخذ بعين الاعتبار حجم الضغوط المتوقعة على التربويين الميدانيين ولم تضع الخيارات النظامية (الاستثنائية) اللازمة للتعامل معها في حينه واكتفت بوضع الأطر العامة الكفيلة بالتصدي لحالات المرض في حال ظهورها لا سمح الله.
إن الوهج الإعلامي الذي أحاط بهذا المرض منذ بدايات ظهوره الأولى قد أوجد لدى الطلاب وأولياء الأمور حالة حقيقة من الذعر والقلق إزاء مدى سلامة أبنائهم في المدارس، ولن يقلل هذا القلق ويقضي على أسبابها إلا إذا تمت مواجهته بحزمة من الإجراءات (الميدانية) الملموسة التي تثبت للأسر والطلاب (اعتراف) المدارس بخطورة المرض، وحرص التربويين فيها على سلامة الدارسين أكثر من حرصها على استرضاء المسؤولين.
إن من أهم عوامل انتشار المرض طول اجتماع العدد الكبير من الناس في مكان واحد، ومن هنا فإن الوزارة مطالبة بإعادة النظر في زمن اليوم الدراسي من حيث بدايته ونهايته، ومن حيث تقصير زمن الحصص حسب طبيعة المواد وصعوبتها، فلم يعد مقبولاً في (فصل دراسي استثنائي) أن تظل الدراسة قائمة من السادسة وحتى الواحدة ظهراً طوال الفصل الدراسي، وليس ملائماً بأي حال من الأحوال أن يكون زمن الحصة الأولى لمادة مثل الرياضيات مساوياً لزمن الحصة السادسة لمادة الإنشاء!!
وإذا كانت الوزارة عاجزة لأسباب (إجرائية ومالية) على الالتزام بأعداد الطلاب في القاعات وفق اللوائح (متر - متر لكل طالب) فلا أقل من أن تبدي تسامحاً مقنناً وواضحاً ومعلنا مع رغبات بعض أولياء الأمور بتقليل أيام انتظام أبنائهم في الدراسة خلال الأسابيع الأولى من الفصل الدراسي الأول، والوزارة مطالبة أيضاً بإصدار لائحة (استثنائية) تنظم آلية الغياب لدى الطلاب والطالبات بحيث تسمح لمن شاء منهم (بعد موافقة ولي أمره) على تقليل حضوره للمدرسة مع التزامه بالاستذكار من خلال منزله مع السماح له بدخول الاختبار نهاية الفصل أسوة بالطلاب المنتظمين على أن تعمم الوزارة على المعلمين والمعلمات بمراعاة هذه الفئة من الطلاب عند وضع أسئلة نهاية الفصل الدراسي الأول.
وقد رأينا في الإستراتيجية تحميل الوزارة مسؤولية كبرى لمدراء المدارس والمعلمين في مجال التدريب والتثقيف لكافة منسوبي المدرسة، وللتعامل مع الحالات المرضية حال ظهورها وهذا من واجبهم ولاشك.. ولكن حتى يتسنى لهم الاضطلاع بالواجب المناط بهم ونظراً لاستثنائية الفصل الدراسي الأول من هذا العام فإني اقترح على الوزارة أن تلزم إدارات التعليم بتقليل أو إيقاف معظم الأنشطة الطلابية والموسمية المعتادة والتي تستنزف الجهد والمال والفكر، لكي تركز القيادات الميدانية على التعامل مع خطط مكافحة الإنفلونزا، وتشرف على تنفيذها بشكل متكامل، وتسعى للتصدي لتداعياتها على العملية التعليمية، ولكي تتمكن من استثمار ما قد يفيض من أوقات المعلمين والإداريين ورواد النشاط ومحضري المختبرات والحاسب وغيرهم في مجال مكافحة الإنفلونزا وقائياً وعلاجياً.
ومهما تلقى التربويون من دورات ومهارات ومعلومات حيال وباء إنفلونزا الخنازير، ومهما أبدوا من استعداد في نقل المعارف من خلال الحصص والأنشطة.. فإن للأطباء تأثيرهم الأكبر على الطلاب والطالبات، فمحاضرة من طبيب لنصف ساعة تغني عن سبع حصص من التوجيه صادرة من مرب! لذا فلابد في نظري أن تقوم الوزارة بالتعاقد مع عشرات الأطباء من القطاعين الحكومي والخاص لكي يقوموا بجولات ميدانية تثقيفية على مدارس التعليم العام يلتقوا خلالها بالهيئة التعليمية والطلاب والطالبات ويتولوا مسؤولية (تطمينهم وتثقيفهم صحياً) ويقوموا بالإجابة عن أسئلتهم، من خلال لقاءات عامة موسعة في تجمع طلاب عدد من المدارس في قاعات معدة ومهيأة بكافة وسائل العرض الحديثة.
وحبذا لو قللت الوزارة وإدارات التعليم من قبضتهم المركزية على نوعية الأنشطة والفعاليات الموجهة ضد إنفلونزا الخنازير بحيث تتيح لمدراء المدارس حرية التعامل والتحرك وفق متطلبات الميدان التربوي واحتياجاته الآنية، على أن يكون هذا الحراك تحت مظلة وإشراف مكاتب التربية والتعليم، لكي يكون لمكاتب التربية والتعليم ومن دونهم لمدراء المدارس هامش واسع ليتحركوا من خلاله في تنفيذ بعض الأنشطة والخطوات الوقائية من خلال الموارد التي قد تتاح لهذه المدرسة دون تلك، وبحسب نوعية طلاب المدرسة ومستواهم الاجتماعي والاقتصادي، وبحسب ما يتوافر من دعم مالي ولوجستي من القطاع الخاص ممثلاً في المدارس الأهلية والمراكز الرياضية والقاعات الاجتماعية والثقافية.
وكما أشدت في البداية بخطة الوزارة وسرعة تحركها في وضع خطط المواجهة لهذا المرض، أختم مقالي مشيداً أيضاً بحكمة القرار الرشيد الذي اتخذه خادم الحرمين الشريفين بشأن تأجيل عودة الطلاب لمقاعد الدراسة لأن هذا التأجيل سيتيح المزيد من الوقت للعاملين في التربية (مكتبيين وميدانيين) لإعداد العدة وتهيئة السبل الكفيلة بإذن الله بتقليل مخاطر هذا الوباء على أبنائنا من الطلاب والطالبات، حمانا الله وإياكم وإياهم من كل مكروه.
mhoshan2000@hotmail.com