Al Jazirah NewsPaper Monday  28/09/2009 G Issue 13514
الأثنين 09 شوال 1430   العدد  13514
ألمانيا ونفس الانتخابات القديمة
بيتر شنايدر

 

إن الحملة الانتخابية البرلمانية الحالية في ألمانيا تبدو أشبه بمتنافس بارز مرشح لنيل لقب الأكثر إملالاً وإثارةً للضجر في تاريخ الجمهورية الاتحادية. كان التثاؤب الجماعي هو الاستجابة الغالبة بين المعلقين على المناظرة التلفزيونية الوحيدة التي دارت بين المستشارة أنجيلا ميركل ومنافسها وزير الخارجية فرانك والتر شتاينماير قبل أسبوعين من الانتخابات - وهو أمر جدير بالملاحظة نظراً للأحداث التاريخية التي تلقي بظلالها على هذه الانتخابات.

لقد سقط سور برلين منذ عشرين عاماً، وهو الحدث الذي أدى إلى التحول الهائل الذي حرك حدود الجمهورية الاتحادية القديمة كما حرك حدود أوروبا الغربية ككل مئات الأميال إلى الشرق. وخرجت الإمبراطورية السوفييتية الشاسعة من الساحة التاريخية من دون إطلاق رصاصة واحدة. والواقع أن هذه الذكرى كان من الواجب أن تشكل سبباً كافياً لنشوء مناقشة محتدمة حول النجاحات والإخفاقات التي ترتبت على إعادة توحيد شطري ألمانيا وتزويد ألمانيا وأوروبا برؤية واضحة للمستقبل على مدى السنوات العشرين المقبلة.

ذات مرة، قال المستشار الألماني الأسبق هيلموت شميدت ساخراً إن الساسة الذين لديهم رؤية لابد أن يسارعوا إلى فحص أعينهم. كان ذلك التحذير منطقياً في سبعينيات القرن العشرين، حين كان البرلمانيون الشباب المنتمون إلى حزبه الديمقراطي الاجتماعي يحلمون بالثورة. ولكن شميدت ما كان ليتخيل على الإطلاق أن يأتي يوم حيث لا يوجد أي سياسي صاحب رؤية.

على نحو مماثل، وفي خريف 2008، كان تهديد الانهيار المالي سبباً في دفع ألمانيا والعالم بأسره إلى حافة الكارثة. ولقد نجحت البلدان الغنية في تخفيف وحجب أسوأ التأثيرات، وذلك بالاستعانة بمستويات غير مسبوقة من الديون، ولكن أي شخصٍ عادي اكتسب حكمته وخبراته من الحياة كان بوسعه أن يُدرك أن الجيل القادم - بل وحتى الجيل الذي يليه - سوف يدفع ثمن تجاوزات المصرفيين في البنوك الاستثمارية. ولا يملك المرء إلا أن يتعجب إزاء ذلك الكم الهائل من التكتم والسرية في التعامل مع هذا الموضوع من جانب ميركل وشتاينماير.

إذا سألت المنظرين الاستراتيجيين في الحزب فسوف يقولون لك إن الأزمة المالية موضوع للخاسرين؛ ذلك أن الناخبين يريدون أن يسمعوا شيئاً إيجابياً. إن الجمهور الانتخابي يعيش تجربة الانحدار الاقتصادي الأعظم منذ عام 1929 وكأنه حل مزعج أو كابوس مرّ أكثر من نصفه - والساسة لا يريدون إيقاظ الناس. أما اليسار المتطرف (المستقل) المزعوم في كرويتسبرج ببرلين فإن أفراده يسلون أنفسهم بإشعال النار في السيارات الفاخرة، ولكنَّ أحداً منهم لم يقدم على تحطيم ولو نافذة واحدة لأي بنك في ألمانيا.

ولم يقدم إلى العدالة ولو مقامر مالي مجرم واحد من هؤلاء الذين ضللوا الجهات التنظيمية المالية بأرقام ملفقة. بل إن الأمر على العكس من ذلك، فقد بادر هؤلاء المفلسون إلى إقامة الدعاوى القضائية للحصول على ملايين الدولارات من المكافآت التي يرون أنهم يستحقونها. بل لقد عاد عدد منهم بالفعل إلى المقامرة بأموال دافعي الضرائب والترويج لمنتجاتهم المالية الجديدة؛ فهم يعرفون أن دافعي الضرائب لن يكون أمامهم أي خيار غير إنقاذهم مرة أخرى حين يأتي الانهيار المالي التالي. ولكن قِلة من الشجعان يشيرون على استحياء إلى السؤال العصيب الذي طرحه برتولد بريخت على لسان (ماك ذا نايف) بطل أوبرا (ثري بيني): (ما الأمر الرهيب في سرقة بنك ما مقارنة بتأسيس بنك؟ وما جريمة كسر قفل مقارنة بإصدار سندات ذات عوائد؟). ولكن هذا الشعار يرجع إلى عشرينيات القرن العشرين ويبدو وكأنه تذكرة يغلب عليها الحنين إلى الماضي المضطرب الذي يفضل المرء لو يشاهده على خشبة المسرح.

إن المعجزة الكبرى التي شهدتها الحملة الانتخابية في 2009 هي عودة الديمقراطيين الليبراليين (الحزب الديمقراطي الحر). فالواقع أن الساحة السياسية الألمانية لا تحتاج إلى شيء أكثر من حزب ليبرالي حقيقي، بالمعني الأمريكي لتعبير (ليبرالي) - نصير لقضية الحريات الفردية. ولكن من المؤسف أن الحزب الديمقراطي الحر، تحت زعامة جويدو فيتسرفيل التي طال أمدها أكثر مما ينبغي، تحول إلى حزب مشهور بالدفاع عن حريات قِلة فقط من الأفراد المتميزين: المصرفيين ورجال الأعمال.

ولكن لكل قاعدة استثناءات. والاستثناء في حالتنا هذه هو الحزب الديمقراطي الاشتراكي السابق، أو الحزب الذي جاء خلفاً للحزب الاتحادي الاشتراكي في ألمانيا الشرقية سابقاً، وهو ما عده المعارضون في عهد ألمانيا الشرقية نفس الشيء. والآن نجح هذا الحزب، الذي يستخدم الآن الاسم الجريء (اليسار)، في اكتساب موضع قدم في ألمانيا الغربية بوعوده المستحيلة بزيادة معاشات التقاعد، والوصول بالحد الأدنى للأجور إلى 10 يورو، وخطط الاستثمارات العامة الضخمة، والتشغيل الكامل للعمالة - أو باختصار، نفس الفردوس الاشتراكي الذي فشل في ألمانيا الشرقية.

وبطبيعة الحال، فإن اليسار الذي ما زال يحتفظ بأعداد ضخمة من أفراد جهاز أمن الدولة السابق بين أعضائه يدعو أيضاً إلى إعادة تقييم ألمانيا الشرقية ذاتها؛ ويعترض العديد من قدامى الأعضاء في الحزب على مصطلح (الدكتاتورية) في هذه المرحلة من حياتهم. لذا، فإلى جانب الحزب الديمقراطي الحر، يستفيد هذا الحزب أيضاً من المعالجة المترددة من جانب الأحزاب السياسية السائدة للأزمة الاقتصادية العالمية.

إن (الفائز) الوحيد حين يصوت الألمان في السابع والعشرين من سبتمبر أيلول سوف يكون على الأرجح (الحزب) الذي بلا ناخبين. وأنا لا أتعاطف مع هذه المجموعة، ولكن ما أفهمه هو أن (غير الناخبين) لا ينتظرون من الأحزاب السياسية الألمانية في أيامنا هذه سوى (نفس الشيء المعتاد تقريباً).

خاص «الجزيرة»
* بيتر شنايدر كاتب وروائي.



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد