يُقال (إن السياسة هي العرَبة، وإن الاقتصاد هو الحصان) وتلك نظرية جيدة ولكن علينا أن نتساءل عمَن سيقود الحصان؟ وما مدى قدرته على القيادة؟
فإن من يحاول تطبيق هذه الرؤية دون بناء إنسان قيادي قادر على توجيه الحصان وقيادته باحترافية وإتقان مع استعانته بنواب ومستشارين استعداداً لغده بأجيال جديدة يتم تهيئتها لاستلام زمام القيادة فإنه سيجد أن الحصان والعربة بمن فيها سيهوون في أقرب جُرفٍ هارٍ!
والحقيقة أنه وعند التأمل للكثير من الدول العربية التي تحاول السير في ركب التنمية وتنويع مصادر الدخل وتحرير الاقتصاد نحو الرأسمالية المتهاوية فإنه سيجد أن غالبيتها تمارس عقلية (التاجر التقليدي) الذي يقضي جُل عمله في عملية مطاردة للربح السريع وتنمية رأسماله لتنتهي به السنة وقد ضيّع أغلب ما كسبه في (سياسة الترقيع) وفي مصروفات شكلية وروتينية (لا تسمن ولا تغني من جوع) فهو لا يعمل من خلال استراتيجيات طويلة المدى، ولا يهتم ببناء شخصية أبنائه ليصبحوا قادرين على استلام زمام الأمور من بعده وإكمال المسيرة نحو النمو والنجاح، بل إنه غير قادر على بناء كيان مؤسسي قوي عبر مصادر دخل ثابتة وأصول قوية وتنوع في سلة مخاطره والقيام بتدريب واستقطاب كفاءات وكوادر تمتلك الإبداع والاحترافية وفق رؤية استراتيجية متكاملة، بل سيسقط كل ما بناه في أول (ريحٍ عاتية) تعصف باستثماراته وأبنائه الذين لم يعلمهم ويدربهم ليكونوا قادةً للمستقبل متسلحين بالخبرات والمعارف والمهارات الإدارية والاقتصادية الحديثة والمتطورة، وكل ما يردده بينه وبين نفسه وناصحيه (أنا مشغول بما لدي الآن، ليس لي وقت للتخطيط للمستقبل وأنا غارقٌ بمشاكل ومصاعب اليوم، وأبنائي ستعلمهم الدنيا كما علمتني، وسيحصلون على رزقهم، ولابد أنهم سيجدون فرصاً وأدواتٍ جديدة تتناسب مع إمكاناتهم وزمانهم!)، والحقيقة أن هنالك مشكلة أخرى تخص الفهم الخاطئ لعملية الرزق والحظ لدى الكثير من الناس (يقول الحسن البصري: علمت أن رزقي لن يأخذه غيري فاطمأننت له، وعلمت أن شغلي لن يقوم به غيري فانشغلت به) بمعنى أنه اطمأن أنه سيحصّل رزقه كاملاً ولكنه انشغل بعمله عن البلادة والتمنّي، مع اختلاف نظرته للرزق طبعاً، فالرزق الأهم بالنسبة له هو العلم والثواب.
ويُحكى أن شاباً فقيراً ترك الدراسة عند معلّمه ذاهباً لطلب الرزق وهو يسير في الصحراء إذ رأى عصفوراً جريحاً يكاد يموت، فإذا بطيرٍ آخر نزل إليه وأطعمه، فرجع الشاب إلى أستاذه، فسأله لماذا عُدت؟ فروى له قصة الطير الجريح وأن الله سيرزقه كما رزق الطير الجريح، فسكت الأستاذ للحظة ثم قال له: لماذا اخترتَ أن تكونَ الطير الجريح ولم تختر أن تكون الطير القوي؟!
كاتب ورجل أعمال
majed@alomari.com.sa