يخطئ من يعتقد من علمائنا الأفاضل أنه يجوز له ما لا يجوز لغيره بأن يعبر عن آرائه ووجهات نظره دون أن يلتزم بأي ضوابط، وأن يقول بحرية مطلقة ما يراه اعتماداً على أن موقعه في المؤسسة الدينية يعطيه هذا الحق دون أن يكون لأحد حق المسؤولية في مصادرته.
***
فالفتوى أو ما يدخل في باب النصيحة التي تصدر بين الحين والآخر من أصحاب الفضيلة العلماء - منفردين أو مجتمعين - ممن يحتلون مواقع وظيفية وعلمية تؤهلهم للقيام بذلك، يفترض أن تراعي التزامها بحماية مصالح الناس،وألا تلحق الضرر بالأفراد والجماعات باستخدام وسائل الإعلام في الإعلان عنها بشكل غير مناسب.
***
والاجتهادات الفردية في الفتوى والنصيحة - تحديداً - إذا ما صدرت عن عالم معتبر, أو من مسؤول يحتل موقعاً في إحدى المؤسسات الدينية المهمة ،فإن ضررها يكون فادحاً وخطيراً،حين يلجأ هذا العالم إلى مخاطبة ولي الأمر عبر وسائل الإعلام معبراً بذلك عن وجهة نظر مغايرة لما يراه ولي أمر المسلمين، باعتقاد خاطئ منه بأن ما يفعله يدخل ضمن باب النصيحة مما لا حرج عند البوح بها علانية وعلى الملأ.
***
والذين تحدثوا من علمائنا عن جامعة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للعلوم والتقنية، معترضين على ما تبادر إلى أذهانهم عن الجامعة دون أن يتثبتوا منه، أخطأوا خطأين: الأول أنهم ليسوا على معرفة بحقيقة ما قيل عن الجامعة،والثاني وبافتراض صحة ما ذكروه, فإن النصيحة لولي الأمر ليس مكانها التعميم عبر وسائل الإعلام, وبخاصة أن قنوات الاتصال والوصول إلى الملك عبدالله مباشرةً ووجهاً لوجه يعرفها هؤلاء أكثر من غيرهم ويمكن أن تتحقق لهم بسهولة.
***
إن اختيار بعض وسائل الإعلام لإبلاغ أي نصيحة لولاة الأمر لا يمكن قبوله والتسليم به من حيث المبدأ، فقد يكون سبباً في التأثير سلباً على بعض محدودي الثقافة والتعليم من شبابنا, مما يفرغ مضمون النصيحة من أي قيمة وفائدة توخاها من صدرت عنه, وفي مقابل ذلك فقد ينظر إليها آخرون على أن ذلك يمثل توجهاً غير محمود وينم عن عدم حكمة وقصر نظر لدى بعض علمائنا, مما يستدعي وضع ضوابط تحول دون حدوث مثله مستقبلاً, فضلاً أنها قد تفسر ويضاف إليها وينقص منها بما يخرجها عن حقيقة ما قصده المتحدث.
***
ويا خادم الحرمين الشريفين, لقد عبّرتم, كما عبّر ولي عهدكم الأمير سلطان بن عبدالعزيز, عن هذه الجامعة, بما يغنينا عن مثل هذه الآراء التي لن تثبط من عزائمكم, ولن توقف إصراركم على بذل المزيد من الجهد والعطاء في سبيل تحديث هذه الدولة والنهوض بمؤسساتها, وشعبكم بكامله - لا بأكثريته - معكم في خطواتكم, ومعكم في حماية مصالحه, ومعكم في تطوير تعليمه, وستبقى المؤسسات الدينية بعلمائها علامات مضيئة لخدمة الدين والوطن تحت قيادتكم الرشيدة.