أحمد الشقيري مواطن سعودي، من النخبة التي تعي معنى المواطنة، وتحمل همّ التخلف، وتحاول أن تفعل شيئاً.. ليس هذا فحسب؛ بل إنه يحاول أن يجرب وسيلةً أكثر تطورًا وأكثر فعالية في دعوته للمجتمع السعودي نحو الرقي والتحضر في بعض السلوكيات الاجتماعية، بعد أن رأى فشل الأساليب التقليدية، وعانى سلبيتها، وبعد أن تيقن على مدى سنوات أن العالم من حولنا يزداد تقدمًا، ونحن نزداد تخلفاً في الكثير من مظاهرنا السلوكية؛ إذ لم تغير الخطب الرنانة شيئاً، ولم تحقق التعليمات الإدارية والتنظيمية نجاحًا في تغيير واقع حالنا!! فالسلوك المروري يزداد تدهورًا، وسلوكنا مع النظافة يتراجع يومًا بعد يوم، وسلوكنا الاستهلاكي من سيئ إلى أسوأ، وتعاملنا مع الآخرين لا يرتقي إلى ما ينبغي أن نكون عليه، وتعاملنا مع البيئة الحيوانية والنباتية ليس من الإسلام في شيء!! والأسوأ من هذا أن السواد الأعظم منا لا يزال يرى أننا الأفضل، وكأن على عينيه غشاوة!
لهذا حاول الشقيري على مدى بضع سنوات مضت أن يقاوم هذا التبلُّد، وأن يؤدي رسالته الدعوية بدافع ديني، وحس اجتماعي، واختار أسلوب الإقناع الإنساني الحضاري مدعمًا بالدليل الشرعي من ديننا الذي اختاره الله لرقي البشرية وبناء أفضل الحضارات على وجه الأرض؛ إذ ليس من أخلاق حضارية بناءة يمارسها الإنسان المتحضر إلا وكان الإسلام قد سبق في الدعوة إليها..
لما أدرك الشقيري أن الكلام لا يفيد في تغيير أحوالنا، وأن كتب التوعية لا تحرك ساكناً في أمة لا تقرأ، لجأ إلى الصوت والصورة.. فانتقل إلى بلد متقدم في سلوكه الإداري والاجتماعي، ومتفوق في إحساسه الوطني، ونقل لنا مقارنات حية، وأدلة ملموسة، ليقول لنا: لماذا هم الأفضل ونحن الأسوأ مع أن ديننا يدعونا إلى أن نكون أفضل الأمم، وأرقى الشعوب؟ وليقول لنا: انظروا أين موقعنا في سلم الرقي الاجتماعي مقارنة بالشعوب المتحضرة، عل ذلك أن يحرك غيرتنا الدينية، أو يستثير مشاعرنا الوطنية ونحن قبلة المسلمين، لعلنا نخجل من بعض سلوكياتنا التي تشوه صورة ديننا الإسلامي العظيم..
لا أرى إلا أن أحمد الشقيري قد بذل أقصى ما يستطيع، وقام بجهد جبار من أجل إيصال هذه الرسالة بدافع ديني وشعور وطني صادق، ولا أرى إلا أنه يستحق تحية إجلال لما يحمله من همّ جراء ما نعانيه من تخلف، وتحية إجلال لما قدمه من عمل جبار، وتحية إكبار لأسلوبه الذي قدم من خلاله الإسلام على أنه دين التحضر والرقي والإنسانية، بعيدا عن أساليب التشدد والانغلاق وتهميش الآخر!!
لكن من تابع ما قدمه الداعية الشقيري يستغرب عدم تبني التلفزيون السعودي لهذا العمل، وتجاهله لهذا الإعلامي السعودي المبدع، وتركه يلجأ إلى قنوات أخرى في الوقت الذي يعج فيه تلفزيوننا العزيز ببرامج أقل عمقا وتجديدا!!
أما ما يثير الاستغراب أكثر وأكثر فهو الهجوم الشديد الذي شنه بعض الكُتّاب على أحمد الشقيري وبرنامجه، متهمين إياه بالتكلف مرةً وبالبساطة مرة أخرى، أو منتقدين المقارنة بالشعب الياباني مرة ثالثة، والأدهى من ذلك أن ينتقد البعض اختياره لليابانيين مع أنهم كفار!! لقد كان المفترض أن يجد أحمد الشقيري التشجيع والدعم من الأوساط الإعلامية، وخصوصًا التلفزيون الذي آمل أن يعيد بث حلقات خواطر الشقيري في أوقات أفضل ليطلع عليها أكبر عدد ممكن من الأسر السعودية، بل أهيب بوزارة التربية والتعليم أن تعرضها في المدارس لترسخ تلك الصور السلوكية في أذهان الصغار، بعد أن مرت مرور الكرام على عقلية الكبار!!