نويت السفر إلى أحد البلدان العربية الشقيقة فسألت إحدى زميلاتي من الأستاذات الفاضلات في الجامعة عما توصي به من بلدها؟
قالت: أن تسلمي على أرضها وتقبلي لي ترابها!!
فتملكتني دهشة الكلمات وأسرتني روعة المشاعر وبداهة دفئها وحرارة حروفها.
فالحب للأرض وتقبيل التراب لا يرتبط بمصالح مادية ولا منافع وقتية، وإنما هو الحب الطاهر النقي الذي يبذل المرء فيه النفس والنفيس للحفاظ عليه.
فهاهم الملايين من البشر بيننا من ألوان مختلفة وبلاد متباعدة، ويجزم القارئ أن هؤلاء المغتربين أفراداً وجماعات مع ما هم فيه من الشدة والضيق والبحث عن الرزق، لكن كل منهم يحمل بين جنباته حنين الوطن، ويحلم برائحة تلك الأيام الجميلة بين أهله وأحبابه في موطنه.
من أجل هذا الحب والحنين ودع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلده مكة بدموعه الطاهرة، وقال كلمته الخالدة عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمكة: ما أطيبك من بلد وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك) أخرجه الترمذي ح (3926) وقال: حديث حسن صحيح.
فانظر أيها القارئ الكريم لروعة تلك المشاعر الدافئة التي خلدها رسولنا الكريم وهو يحاكي محبوبته الكريمة الطيبة مكة التي درج عليها ونشأ في ترابها واستنشق هوائها، ويقول (قومي) وهو الذي لاقى منهم صنوف العذاب والأذى والهوان، إنه الحب الكبير والرحمة الدفينة.
فأي لغة تترجم مشاعر حب الوطن؟
وأي كلمات يختزل فيها المرء حنينه لترابه ومائه وهوائه؟
إنها لغة العطاء التي لا تنضب، ولغة القلب التي بحروفه تنبض، ولغة السواعد التي تبني وتنهض.
فالوطن حروف من نور تشرق في النفس الزكية فتزهر الأزهار الجميلة، وتعبق في أرجائها الروائح الندية الرطيبة، فينقلب صاحبها عاملاً مجداً وسفيراً مخلصاً يترنم بحب وطنه، ويعمل على نهضته في الليالي والأيام، لذا من حاول أن يهدم ويقتل وينازع أهله في وطنه فليبحث عن حروف الوطن في نفسه، فالوطن هو:
ألف: انتماء وأمان.
لام: لين وألفة.
واو: ود وحب.
طاء: طهر وطمأنينة ونقاء.
نون: نور ونماء وبناء.
فأي كلمات تجمع هذه الحروف النورانية؟ إنما تعني تراب الوطن وهواءه وأبناءه وبناته ومشروعاته ونماءه.
فاليوم الوطني الـ79 لموطني الحبيب يأتي هذا العام وقد اشتد ساعد بلادي بالأمن والأمان والألفة والحنان والعهد على النهضة والبنيان، فقد امتدت مشروعات الأجيال لكل بقعة من بقاع الوطن الغالي.. وتوسعت الاستثمارات في بلادي الحبيبة لتحتل الترتيب 13 بين دول العالم، وما ذلك إلا بفضل من الله العلي المنان وقيادة الملك عبد الله الإنسان وحكومته الرشيدة.
فهنيئاً لنا بهذا الوطن المعطاء.. وهنيئاً للأجيال بوطن تعمر فيه العقول وتبدع فيه الأفكار.. فليكن لكل طفل وطفلة نصيب من سقي هذا الحب يرضعونه من أمهاتهم، وينقشون في ألواحهم المدرسية حروف الوطن.
فحروف الوطن تشع نوراً على نور بعد روحانية الصيام والقيام.. وفرحة العيد.. وليمضي الجميع صغاراً وكباراً رجالاً ونساء شباباً وفتيات في بناء هذا الوطن بعزم مضاء وهمة أكيدة كل في مجاله، ليغدو هذا الوطن بما يملك من ثروة مادية وبشرية شعاعا من نور لكل العالمين.
* الأحساء
drhuda87@hotmail.com