ذكرت الكاتبة جوان سي جونس عن موقف عجيب حدث لها وتعلمت منه مهارة غائبة مهمة في فن التعامل مع الآخرين من أحد أساتذتها في الجامعة حيث تقول: خلال الشهر الثاني من دراستي الجامعية وفي اختبار مادة الاتصال أجبت عن الأسئلة بسهولة ولكن توقفت عن السؤال الأخير الذي رصد له نصف درجة الاختبار! وقد كان السؤال: ماهو الاسم الأول للسيدة التي تنظف الكلية! وقد حار الجميع في السؤال فلم يجب عليه أحد من الطلاب! وقد علق الدكتور على هذا السؤال بقوله:(لن يكون هناك اتصال جيد مع غيره دون أن نحفظ أسماءهم ونناديهم بها).
من الأمور المتفق عليه عند المتخصصين أن مناداة الآخرين بأسمائهم لها دور كبير في كسب القلوب وإذابة الجليد واختراق الأرواح وعقد أجمل الصفقات النفسية مع الآخرين وهي ضمن المهارات الراقية المنسية والمتغافل عنها عند شريحة واسعة من البشر، وأحسب أن مشاعرك ستكون في أعلى مستوياتها عندما تلتقي بشخص بعد فترة زمنية طويلة من لقائك الأول به فيناديك باسمك مهللا ومرحبا فهو بهذه التصرف قد أرسل إليك رسالة تحكي عن لطيف موقعك وحسن منزلتك عنده، والمولى عز وجل قد نادى الأنبياء بأسمائهم فقال (يا نوح ويا آدم ويا إبراهيم) وكان- صلى الله عليه وسلم- ينادي كل من حوله بأجمل أسمائهم المسلم والكافر (يا أبا الوليد) الكبير والصغير (يا أبا عمير) الذكر والأنثى (ياحميراء) ويؤكد هذا ديل كارنجي بقوله: ولا أدل على أن الكثير من الأثرياء وأصحاب الأموال اعتادوا على نفح المؤلفين مبالغ من المال على أن يصدروا مؤلفاتهم بأسمائهم، ويُقال: إن أول درس يجب أن يتعلمه السياسيون هو (أن تذكر اسم الناخب هو منتصف الطريق إلى الرئاسة بينما نسيانه هو منتصف الطريق للإخفاق) وقد كان نابليون يفتخر بمقدرته على تذكر اسم كل شخص يلتقي فيه رغم عظم أعبائه وكان ملك الصلب ادرو كارنيجي يباهي بأنه يسعه أن ينادي عماله مع وفرة عددهم بأسمائهم وهناك شخص يدعى جيم فارلي منحته أربع من أكبر جامعات أمريكا شهادتها الفخرية, وتم تعيينه مدير البريد العام في الولايات المتحدة... فما هو سر ذلك النجاح؟ كل ما في الأمر أن الرجل كان يتملك مقدرةً فائقةً على تذكُّر أسماء الناس. فعندما يلتقي أحدهم كان يحرص على معرفة اسمه الكامل, وأسماء أولاده وأهله المقربين, ويستفسر عن عمله, وميوله السياسية، وطيفه الفكري، ثم يختزن كل ذلك في ذاكرته حتى إذا التقى به ثانية سار الحديث بينهما وكأنه لم ينقطع عنه.
والكثير يعتذر بالنسيان لعدم تمكنه من مناداة الآخرين بأسمائهم ويذكر الدكتور نجاتي أستاذ علم النفس بجامعة الكويت أن لعلماء النفس نظريات عدة في تفسير مشكلة النسيان فذهبت إحداها (إلى أننا ننسى نتيجة (تداخل خبراتنا الجديدة مع خبراتنا القديمة) كأن نتعرف على أكثر من شخص اسمه محمد، مثلا، وربما يتشابه كثير منهم في محياهم أو ابتسامتهم أو طريقة ملبسهم فيحدث هنا تداخل بين الصورة الذهنية المخزنة عن أشكال أصدقائنا أو زملائنا وبين الصورة الحالية التي نشاهدها لشخص جديد نتعرف إليه لأول مرة!) واحسب أن السبب الأول في نسيان الأسماء هو عدم استشعار أهمية مناداة الآخرين بأسمائهم فالإنسان إذا قويت دوافعه زاد حرصه وعظم استعداده لمباشرة الأمر ومن الأسباب كذلك هي توقع عدم تكرار اللقاء لذا فلا يبذل الجهد الكافي لحفظ الاسم وأيا كان السبب فهناك أساليب ومهارات وأفكار تيسر من عملية حفظ الأسماء ومنها:
1- مما يشحذ العزيمة ويحبب الأمر استشعار الأهمية البالغة لمناداة الآخرين بأسمائهم.
2- لاتتشاغل بشيء عن الالتقاء بالآخرين وحاول استجماع الذهن والتركيز ما أمكن على من أمامك.
3- استخدم أسلوب نابليون البسيط فكان إذا لم يسمع اسم محدثه قال له: أسف لم ألتقط اسمك جيدا, ثم يحرص على تكرار الاسم خلال اللقاء.
4- ملاحظة سلوكيات الشخص وربط اسمه بتفاصيل تصرفاته كطريقة حديثة كابتسامته وملامح وجهه.
5- في آخر كل يوم دون أسماء من قابلت والتأمل فيها وحصرها في الذهن.
ومن الحيل اللطيفة التي نستطيع معها تجاوز الحرج الناتج من نسيان أسماء الآخرين وعن مشقة إعادة السؤال عن أسمائهم بأن نسأله عن كنيته أو عن اسم ابنه الكبير وذلك لمناداة به والسياق يفهم منه معرفتنا بالاسم، إن رغبتنا تنحصر في مناداته بكنيته وأخيرا تذكر أن أعذب كلمة تجمل بها حديثك مع الآخرين هي اسم محدثك!!
ومضة قلم:
كلما فعلت شيئا لطيفا لأي شخص ازداد تقديرك وثقتك في نفسك
* * *
khalids225@hotmail.com