كانت المرأة العربية قبل الإسلام امرأة عاملة فكانت إلى جانب والدها أو زوجها تزرع وتحصد وتسقي وتغزل وترعى وتتاجر، وقد استمرت في ممارسة هذه الأعمال وغيرها بعد ظهور الإسلام فقد بايع نساء المسلمين الرسول صلى الله عليه وسلم وهاجرن للحبشة ثم هاجرن معه عليه الصلاة والسلام للمدينة المنورة وشاركن في نشاط الدعوة كخديجة
أم المؤمنين وأسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهم، كما أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها روت الكثير من الأحاديث النبوية بحكم قربها من الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت تعلمها للناس كما شاركت النساء المسلمات في الجهاد في سبيل الله حيث كن يقمن بصنع الطعام للمحاربين ومداواة الجرحى، كما أن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه كلف الصحابية ليلى العدوية بجزء من مسؤولية الحسبة في المدينة المنورة، وعملت كعيبة بنت سعد الأسلمية في الطب حيث كان لها في المسجد خيمة تداوي فيها المرضى وكان ممن عولج عندها الصحابي الجليل سعد بن معاذ رضي الله عنه، كما أن زبيدة بنت جعفر المنصور زوجة هارون الرشيد رحمهما الله عملت في مجال الحكم والسياسة متأثرة بعمل زوجها الذي لم يمانع في ذلك.
وقد تأثر عمل المرأة بالتراجع والضعف اللذين حصلا للعالم الإسلامي في بداية القرن الخامس الهجري بعد أن تم قفل باب الاجتهاد والاعتماد على العمل بالفتاوى والآراء التي صدرت في عصور سابقة ويشمل ذلك الفترة التي حكم فيها العثمانيون من بداية القرن السادس عشر حتى بداية القرن العشرين ميلادية.
أما بالنسبة لعمل المرأة السعودية فقد كانت بدايته سنة 1300هـ فقد عملت إحدى حفيدات الشيخ محمد بن عبدالوهاب مجدد الدعوة المعروف الذي اتفق مع مؤسس الدولة السعودية الإمام محمد بن سعود رحمهما الله في إحياء الدعوة للإسلام ونبذ الشركيات والخرافات في الإفتاء والقضاء للنساء، كما أن إحدى النساء في مكة المكرمة بلغت في هذه الفترة مرتبة العلماء، كما أن العمل في مجال التعليم هو من أهم مجالات عمل المرأة السعودية فقبل إنشاء المدارس النظامية لتعليم البنات سنة 1380هـ كان يوجد كتاتيب لتعليم البنات في الرياض ومكة والمدينة والأحساء وجدة والطائف حيث يدفع أولياء أمور الطالبات مبلغا ماليا مقابل تعليم بناتهم، وكانت هذه الكتاتيب تتفاوت فيما بينها في تعليم الكتابة والقراءة والمواد الدينية ومبادئ الحساب والخياطة.
وبعد تأسيس المملكة العربية السعودية سنة 1351هـ وما ترتب على ذلك من استقرار ساعد ذلك على قيام النهضة التعليمية وعمل المرأة فيها، فالكتاتيب تحولت في معظمها إلى مدارس نظامية أهلية منذ سنة 1354هـ إلى سنة 1380هـ وهو تاريخ بداية التعليم النسوي الحكومي عندما قرر ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء آنذاك الملك فيصل رحمه الله وبتأييد من الملك سعود رحمه الله افتتاح مدارس البنات، حيث تم فيما بعد توسيع دائرة هذا التعليم ليشمل آلاف المدارس والكليات والمعاهد وبالتالي تأهيل المرأة السعودية لتولي عملية التدريس فيه ففي العام الدراسي 1380-1381هـ كان عدد المعلمات (114) معلمة جميعهن غير سعوديات أما في العام الدراسي 1425-1426هـ فقد بلغ عدد السعوديات العاملات في مجال التعليم العام النسوي (1649549) معلمة، وإضافة للتعليم النسوي التابع لوزارة التربية والتعليم (الرئاسة العامة لتعليم البنات) سابقا تم في سنة 1406هـ إنشاء مدارس للتعليم النسوي في الحرس الوطني، كما تم إنشاء مدارس الأبناء بوزارة الدفاع والطيران إضافة إلى ظهور التعليم الخاص والتعليم العالي حيث يوجد في بلادنا حتى تاريخه (25) جامعة مما فتح المجال بصورة أوسع لعمل المرأة السعودية في مجال التعليم، حيث يوجد من العاملات في مجال التعليم العالي من عضوات هيئة التدريس بالجامعات ما يزيد على (2349) من عضوات هيئة التدريس، أما عن مجالات عمل المرأة الأخرى غير التعليم فيوجد الطب والتمريض والصيدلة والفئات الطبية المساعدة حيث بلغ عدد العاملات السعوديات في هذه المجالات بوزارة الصحة ما يزيد على عشرة آلاف ما بين طبيبة وصيدلانية وممرضة وإخصائية وإدارية، وفي الشؤون الصحية بالحرس الوطني ما يزيد على ستمائة موظفة، وفي الخدمات الطبية بوزارة الدفاع والطيران ما يزيد على ثمانمائة موظفة وفي مستشفى الملك فيصل التخصصي حوالي خمسمائة موظفة، كما يوجد من مجالات عمل المرأة السعودية في بلادنا الغالية العمل في الخدمة الاجتماعية كدور الأيتام ومراكز التأهيل ودور الحضانة ومراكز الخدمة الاجتماعية ودور رعاية المسنات حيث تعمل المرأة السعودية في مجال التوجيه والإرشاد والخدمة الاجتماعية ويزيد عددهن حاليا على ألفي موظفة.
أما عمل المرأة السعودية في مجال الأعمال الإدارية التي تعتمد على العنصر البشري في الوصول للأغراض المنشودة وبما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية فقد دخلت المرأة السعودية في هذا المجال وبدون الحاجة للاختلاط حيث تعمل بالأجهزة الحكومية لتقديم الخدمة الإدارية سواء لتقديم الخدمة المباشرة لبنات جنسهن، أو خدمة مساندة للأجهزة التي تعمل بها أو كلاهما معا حيث أثبتت نجاحها في ذلك وحظيت على تقدير المسؤولين بالأجهزة الإدارية، فالمرأة السعودية تعمل حاليا وفي أقسام نسوية في وزارة الداخلية ووزارة الخارجية ووزارة الشؤون البلدية والقروية، ووزارة المالية، ووزارة الثقافة والإعلام، ووزارة الخدمة المدنية، ووزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، ووزارة الاقتصاد والتخطيط، والرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، وهيئة الرقابة والتحقيق، ومعهد الإدارة العامة، ومصلحة الإحصاءات العامة، والمؤسسة العامة للتقاعد، ومصلحة الجمارك، ومصلحة السجون والجامعات، حيث يصل عدد الموظفات في هذه الأجهزة إلى ما يزيد على ألفي موظفة.
هذا ويتم توظيف المرأة السعودية إما بأسلوب التوظيف المباشر أي بدون اللجوء إلى أسلوب المسابقة أو المفاضلة وذلك في حالة توفر الوظائف بحيث يزيد عددها على عدد المتقدمات لها، أو يتم بأسلوب التوظيف المنظم كالمسابقة أو المفاضلة أو المقابلة وذلك في الحالات التي يقل فيها عدد الوظائف عن عدد طالباتها وذلك بهدف ضمان مبدأ الجدارة والمساواة في شغل الوظائف حيث يتم إجراء المسابقة أو المفاضلة أو المقابلة بهدف الوصول إلى ذوات الكفاءة لشغل الوظائف المطروحة للمسابقة أو المفاضلة في حالة زيادة عددهن عن عدد الوظائف المطلوب إشغالها.
من ناحية أخرى فإن أنظمة الخدمة المدنية ونظام العمل لم تفرق في الحقوق بين الرجل والمرأة فالرواتب والوظائف والمزايا المادية تقرر للوظائف والأعمال وليس للأشخاص بمعنى أن شاغل الوظيفة رجلا كان أو امرأة يستفيد من هذه المزايا إذا توفرت لدى أي منهما شروط وضوابط شغل الوظيفة ذات المزايا المادية باستثناء بعض الوظائف التي لا تتلاءم مع طبيعة المرأة كالوظائف الفنية والحرفية أو الوظائف التي تؤدي للاختلاط وهو أمر لا يخل بمبدأ العدالة بين الرجل والمرأة في مجال التوظيف لكونه يتعلق باعتبارات دينية واجتماعية وصحية، كما أن أنظمة الخدمة المدنية قد أوجدت حقوقا خاصة بالمرأة الموظفة إضافة للحقوق التي تتساوى فيها مع الرجل كإجازة الوضع وهي (60) يوما براتب كامل وإجازة عدة الوفاة وهي براتب كامل وإجازة الأمومة ومدتها ثلاث سنوات وهي بربع الراتب وبما لا يقل عن (1500) ريال وإجازة مرافقة الموظفة لزوجها أو ولي أمرها في خارج المملكة وتصل مدتها إلى عشر سنوات طيلة الحياة الوظيفية.
وأخيرا فإن توجه بلادنا هو الاستمرار في زيادة فرص العمل للمرأة السعودية ومن ذلك الأعمال التي قد تقوم بها المرأة عن بعد أي وهي في منزلها كأعمال الخياطة وتصميم البرامج والترجمة والإحصاء والحاسب والمراجعة اللغوية والرسم والنسخ وإعداد الدراسات والأبحاث.
وسوف يسفر المستقبل بإذن الله عن مجالات وفرص عمل جديدة للمرأة السعودية بما يتمشى مع مكنة التنمية والتطور في بلادنا.
Asunaidi@mcs.gov.sa