من القضايا اللافتة للانتباه والرامزة إلى قصور بنيوي ظلت روحه سارية في الذات الكلية أننا نمارس دائما ألوانا من قوالب الإسقاط في حالة من التقمص الأجوف الذي نمثل من خلاله دور الضحية المضطهدة التي صودرت مستحقاتها وبالتالي جرى الحد من إشعاعات عطاءاتها بينما سوانا هو الجلاد الذي لا يكف لحظة عن إلحاق الأضرار الفادحة بنا
ولا ينفك برهة عن تحسير مستوى كرامتنا عبر أفعال امبريالية تسلطية مازلنا ولن نزال ندفع ثمنها من جراح أمتنا المظلومة!! لقد اعتاد وعينا الجمعي على عزو بواعث تأخرنا في الانضمام إلى السياقات النهضوية إلى الاستعمار الكولونيالي الذي أحكم قبضته على زمام الأمة مُكرِها لها على الدوران في فلك التبعية الإمعية وعدم التطلع نحو إبداع آفاق جديدة تضعنا على جادة التقدم.التنصل من التبعات داء يَسِمنا في الأعماق, فالمؤسسات التعليمية تُرجِع فشلها في مدّ المجتمع بمخرجات نوعية تثري الميدان إلى عدم التفاعل الأسري من جهة - أي إنها تحمل المجتمع المسؤولية - وإلى شح المحفزات التي بحوزتها وعدم إمدادها بكثير من المعطيات اللازمة من جهة أخرى. الطالب يحيل عدم قدرته على الاستيعاب الذهني إلى تلك الآلية التقليدية التي ينتهجها المعلم الذي لا يتقن فن إيصال المعلومات والمعلم بدوره يلقي ببواعث وهن مخرجاته إلى ذلك الطالب الذي أدى تهالك قدراته الذاتية إلى عدم التفاعل مع المعلومة وبالتالي قلل من فرص تسللها إلى ذهنه !!ثمة ذلك الموظف الذي يشير بأصابع الاتهام نحو رئيسه وأنه يتعاطى معه بآلية استاتيكية لا تفرق بين روح النظام,ونص النظام, وبتجسيد حرفي للبيروقراطية والروتينية القاتلة على نحو قلل من فاعليته وحَدّ من عطائه.الرئيس هو الآخر يجعل من عدم جدية مرؤوسه وعدم قيامه بفعل فوضويته بواجباته الوظيفية على ما يرام عاملا جوهريا لاصطفائه لونا من قوالب المعاملة المتكئة على تتبع الزلات وتلمس العثرات والبحث عن أي ثغرة تسوغ الإدانة .كبار السن يتذمرون من الشباب ويبدون قدرا من التأفف على ما يتسمون به من روح الاندفاعية ويعتقدون أن ثمة نضجا عقليا يتقاصرون عنه والشريحة الشبابية بدورها تلقي باللائمة على الجيل السابق وأنه لا يتقن لغة العصر ولا يدرك مقتضيات الصيرورة. وهكذا فكل طرف يحيل التهم إلى الآخر والجميع مظلومون من الجميع, والكل ضحية للكل!!.معظمنا إذا تحدث فليس إلا مُتغنيا بمواهبه الشخصية وبمستوى براعته التي تعز على مجايليه مضارعتها.وليس من المألوف أن تعثر على من يتهم ذاته أو يستعرض النتائج الناجمة عن قصوره الأنوي.الاعتراف بالخطأ شجاعة لكننا لا نستسيغها نعم نحن نحتفي بها نظريا بل ونعلي اللافتات الشعاراتية التي تحض عليها، ولكن من ناحية المنحى الواقعي فنحن نستميت في التظاهر بخلافها.نادر من نوعه أن تظفر بمن يعترف بخطئه حتى في الطبقات التي تتبنى التنظير للقضايا من ذوي القلم وأرباب الفكر والمؤثرين في السياق العام يعييك أن تجد من يشير وبشجاعة إلى إخفاقه في تناوله لقضية مّا, أو يشير ولو مجرد إماءة عابرة إلى ثغرات في طرحه استدركها فيما بعد, أحيانا نُنظّر لجملة من القضايا,ثم إذا اكتشفنا لاحقا عدم منطقية رؤيتنا قد نحوّر في منهجيتنا ونسلك سبيلا آخر ولكننا لا نصرح بذلك في وضوح, بل نتعامل بنوع من الغمغمة والتمتمة والمراوغة اللفظية ونصاب بالهلع الذي يمنعنا من الإقرار بالخطأ فنحن لا نملك الجرأة لنقول:إننا أخطأنا وسنعمل على التغيير في طريقتنا.بل نحاول أن نتنصل من الماضي من خلال ممارسة ضرب من الترحال الثقافي المغلف بالصمت ونحاول أن نبدو وكما لوكنا امتدادا لتاريخنا السالف ونعمل عن طريق الإيحاء على إضفاء لون من الاتساق الشكلي على ملامح الصيرورة التي يراد إبرازها بوصفها محكومة بالتكامل والاتصال.نفعل هذا اتقاء للمساءلة وتنصلا من التبعة وتفاديا للوك الألسنة!.إننا كثيرا ما ندعو فى تنظيراتنا إلى الشجاعة في الاعتراف بما نرتكبه من أخطاء لكننا أول من ينقلب على ذلك التنظير حينما يكون الأمر يتعلق بذواتنا؛ فحينما نواقع الخطأ نستدبر ما كنا قبلاً نحتفي به, ونقصي ما كنا- وبصوت صاخب -لا نكف عن المناداة به!! إن المصداقية قيمة يفترض التلبس بلوازمها وتجذير مقتضياتها إننا بحاجة ماسة لإرساء تقاليد ثقافية تعلي من فضيلة الصدق الذي من أبرز صوره تحمل المسؤولية في الاعتراف بالأخطاء بحسبه وليد الامتلاء بقيمة المصداقية التي هي الأخرى إفراز ناجم عن التشبع بروح البعد الإيماني البالغ في الصدق منتهاه.
Abdalla_2015@hotmail.com