تُرى هل نجحت خطط التحفيز في إعادة الاقتصاد المصدوم في مختلف بلدان العالم إلى الحياة؟ أم أن خطط التحفيز هذه لم تسفر إلا عن تمهيد الساحة أمام التضخم وأعباء الديون الضخمة في المستقبل؟ الإجابة هي أنها ربما تسببت في كل من الأمرين. والسؤال الرئيسي المطروح الآن يتعلق بترتيب حدوث هذه النتائج.
إن النظرية وراء جهود التحفيز الاقتصادي الهائلة التي تبنتها الحكومات في عدد كبير من بلدان العالم تستند إلى مفهوم (فجوة الناتج) - الفارق بين الناتج الفعلي والناتج المحتمل لاقتصاد ما. فإذا كان الناتج الفعلي أدنى من الناتج المحتمل فإن هذا يعني أن إجمالي الإنفاق لا يكفي لشراء ما يستطيع الاقتصاد أن ينتجه.
إن الحافز عبارة عن محاولة من تدبير حكومي الهدف منه دعم الإنفاق الكلي. وتستطيع الحكومة إما أن تنفق المزيد من المال، أو تحاول حفز الإنفاق الخاص من خلال خفض الضرائب أو خفض أسعار الفائدة. وهذا من شأنه أن يساهم في رفع الناتج الفعلي إلى مستوى الناتج المحتمل، وبالتالي إغلاق فجوة الناتج.
إن بعض خبراء الاقتصاد - رغم عددهم المتضائل - ينكرون إمكانية وجود ما قد نطلق عليه فجوة في الناتج. وهم يزعمون أن الاقتصاد يعمل دوماً على التشغيل الكامل للعمالة. وإذا كان عدد من يعملون اليوم أقل من عددهم بالأمس، فإن ذلك لأن المزيد من الناس قرروا ألا يعملوا. (استناداً إلى هذا المنطق قرر العديد من المصرفيين ببساطة أن يقوموا بإجازات طويلة منذ الانهيار المالي الذي شهده شهر سبتمبر/أيلول الماضي). وعلى هذا فإن ناتج اليوم هو ما يرغب الناس في إنتاجه، ومحاولات تحفيز هذا الناتج لن تسفر إلا عن ارتفاع الأسعار بينما ينفق الناس المزيد من المال على نفس الكمية من السلع والخدمات.
هناك وجهة نظر أقرب إلى العقل تزعم أن الاقتصاد لا ينتج بالقدر الذي تسمح له به قدراته وأن عدد الراغبين في العمل أعظم كثيراً من عدد فرص العمل المتاحة. وعلى هذا فإن الحافز من شأنه أن يدعم كلاً من الناتج والعمالة.
ولكن ما الحجم الذي ينبغي أن يكون عليه هذا الحافز؟ طبقاً لتقديرات مكتب الميزانية التابع للكونجرس فإن الناتج الأميركي سوف يكون أدنى من إمكاناته بنسبة قد تصل إلى 7% تقريباً في العامين المقبلين، الأمر الذي يجعل من الركود الحالي أسوأ ركود منذ الحرب العالمية الثانية. ومن المتوقع أن تصل مستويات البطالة ذروتها عند نسبة 9,4% بحلول نهاية عام 2009 أو مطلع عام 2010، ومن المنتظر أن تظل النسبة أعلى من 7% على الأقل حتى نهاية عام 2011م.
تعهدت حكومة الولايات المتحدة بإنفاق 787 مليار دولار أميركي لتحفيز الاقتصاد، أو حوالي 7% من الناتج المحلي الإجمالي. ظاهرياً، قد يبدو هذا المبلغ كافياً لسد فجوة الناتج إذا تم إنفاقه في هذا العام. ولكن البرنامج من المفترض أن ينفذ على مدى ثلاثة أعوام في الواقع. حيث تم تخصيص حوالي 584 مليار دولار للفترة 2009-2010، الأمر الذي يترك حوالي 300 مليار من الأموال الإضافية لهذا العام. وحتى في هذه الحالة فليس من الواضح كم من هذا المبلغ سوف ينفق بالفعل.
ونستطيع أن نوضح هذا من خلال مثال بسيط. فلنفترض أن الحكومة وزعت المبلغ الإضافي على مواطنيها. سوف يتم ادخار بعض هذا المبلغ.
هناك مصدر آخر للتحفيز، وهو (التيسير الكمي)، أو ببساطة طباعة المزيد من النقود. فبشراء الأوراق المالية الحكومية يعمل البنك المركزي على ضح النقود إلى شرايين النظام المصرفي. والمقصود من هذا تحفيز الإنفاق الخاص من خلال خفض سعر الفائدة التي تتقاضاها البنوك على القروض التي تقدمها لعملائها. ولقد تم ضخ مئات المليارات الإضافية من الدولارات إلى البنوك في مختلف أنحاء العالم بهذه الوسيلة.
ولكن التأثير التحفيزي المترتب على التيسير الكمي أقل تأكيداً حتى من الحوافز المالية الضريبية. ففي حين أدت هذه السياسة إلى تضييق هوامش الائتمان وتحسين السيولة في أسواق السندات، فإن العديد من البنوك كانت تستخدم الأموال الإضافية لإعادة بناء دفاتر موازناتها (أي ما يعادل الزيادة في مدخرات الأسر) بدلاً من إقراضها للشركات والأفراد.
وبوسعنا أن نستخلص العديد من الاستنتاجات من هذه الحسابات التقريبية. الاستنتاج الأول أن حزم التحفيز في مختلف أنحاء العالم نجحت في منع انزلاق العالم إلى الكساد، وربما كانت السبب في بداية قدر متواضع من الانتعاش.
والاستنتاج الثاني هو أنه ما زال من المبكر للغاية أن نشرع في تقليص الحافز تدريجياً، وهو ما بدأت اليابان والولايات المتحدة التخطيط لتنفيذه فيما يبدو. وكما قال أحد المسؤولين البريطانيين قبيل انعقاد قمة مجموعة العشرين التي استضافتها إيطاليا في شهر يوليو/تموز الماضي: (يتعين علينا أن نبدأ في الإعداد لاستراتيجيات الخروج، ولكن لا ينبغي لنا أن نبدأ بالتنفيذ قبل أن نتأكد من رسوخ الانتعاش وقدرته على دعم ذاته، ولا أظن أن أي شخص يستطيع أن يقول إننا قد بلغنا هذه النقطة بعد).
الاستنتاج الثالث هو أن السياسة القائمة، حتى ولو نجحنا في الحفاظ على استمرارها، لن تؤدي إلى انتعاش قادر على دعم ذاته. فهي في أفضل الأحوال تعرض علينا عدة سنوات أخرى من النشاط الأدنى من العادي. إن الأمر يتطلب تبني جولة مزدوجة من حزم التحفيز سعياً إلى مواجهة الاحتمال الحقيقي المتمثل في العودة إلى الركود.