على مدى حلقتين مثخنتين بالمعلومات الموثقة والطرح الجريء تقترب الكاميرا شيئاً فشيئاً من وجه صحفي شاب تطل من سيمائه النظرة الثاقبة والتحليل الدقيق، وما أن يرفع رأسه محدقاً خارج المشهد حتى تسمع قعقعة السلاح وأزيز الرصاص واصطباغ الكادر بالدم (كان ذلك الوجه هو وجه الزميل المبدع فارس بن حزام) الذي شد القارئ إليه منذ أن ابتدر الكتابة في الأعداد الأولى لجريدة الوطن الغراء، والذي كان من الوهلة الأولى لبداياته المبشرة يبدو لي أنه صحفي مغامر من الطراز الفريد لجيل الصحافة الحديثة التي تستند إلى التقنية والمعلوماتية والجرأة في استحصال الخبر والملاحقة في التحليل والإخلاص الصميمي لمهنة المتاعب (الخطرة) حقاً، وذلك لأن (ابن حزام) تخصص في موضوع بالغ التعقيد ومليء ب(الاشراك الملغومة) وحقول المفاجآت والسير في الكواليس الخلفية ليقتنص المعلومة ويخرجها للنور.

ومن ثم يسلط عليها الاضاءة الساطعة ليكشف أدق تفاصيلها ليقدمها بكل بسالة للقارئ، ومن خلال متابعتي لما يكتب عرفت أنه سيكون له شأن كبير في عالم الصحافة، وهكذا كان، وأصبح (فارس بن حزام)..

ويبدو لي أنني استطردت في امتداح ابن حزام قبل امتداح عمله الموسوم ب(أيام الدم) الذي عرضته قناة العربية في أواخر أيام الأسبوع الفائت، وعمل ابن حزام، كما عرفت، هو كتاب سيطرحه قريباً للقارئ المتعطش للمعلومة التي تخص الإرهاب بكل أشكاله المعقدة، والذي جاء كبرنامج وثائقي دعّم باللقطات السينمائية المبدعة والتعليقات المدركة لرجال عرفوا الفكر الإرهابي عن قرب وتعرفوا عليه بالوعي العميق، وقدموا خلاصة هذه المعرفة كتابة إلى القارئ العربي قبل هذا البرنامج، وأعني بذلك الزميلين منصور النقيدان الكاتب في جريدة الرياض، ومشاري الذايدي الكاتب في جريدة الشرق الأوسط، اللذين أثريا البرنامج بالمعلومة النادرة والاضاءة الساطعة، وكذلك لا ننسى دور الإخوة الآخرين الذين شاركوا في هذا البرنامج الرائع الذي يبدو لي أنه تأخر كثيراً عن (عين المشاهد) التي كانت ترنو إلى مثله قبل استشراء الفكر الارهابي الخطير في أذهان العقول الهشة لشباب يعانون الخواء الذريع والفصام الاجتماعي الحاد..

كما كنا نتمنى لو أن البرنامج قد احتوى على لقاءات حية مع بعض التائبين والذين استطاعوا التخلص من براثن هذا الاخطبوط الرهيب..

(على أية حال سنكمل في المقالة القادمة).