من يتابع النشاط والفعاليات التشكيلية المتمثلة في المعارض التشكيلية الجماعية يلاحظ الحضور المتميز والجاد والمتجدد من قبل التشكيليين الشباب المحملين بتجارب مرنة ديناميكية التنقل والتطور بجانب مشاركات الفنانين الكبار سنا المثقلين بتجارب ولدت وترعرعت في وقت لم يكن لهم فيه ما للشباب اليوم من فرص الاطلاع على جديد العالم.
لذا أصبحت مساحة المنافسة في صالح المد الشبابي بكل ما تحمله الكلمة من معان وترقب للجديد في كل معرض، ما يدفع المعنيين عن المعارض الجماعية للبحث عن آلية أو طريقة تحفظ لكل من الفئتين حقهما، لئلا يضيع جهد الشباب في قديم الكبار الذي يأتي في كثير منه من بقايا الأعمال القديمة أو اجترار لتجارب سابقة لهم، أكل عليها الدهر وشرب. ونحن هنا لا نعمم، ولكن نقول إن غالبية ما شاهدناه في المعارض الأخيرة يكشف ما أصبح عليه بعض هؤلاء التشكيليين (السابقين) من تراجع أو توقف عند حد معين لم يعد له أثر أو تأثير على الساحة، أو يضيف لهم أي خطوة قادمة أكثر مما اكتسبوه في زمنهم الماضي.
هذه المنافسة الشبابية بتجديدها شكَّلت مجهرا لكشف تدني ما يقدمه بعض الفنانين ممن لهم تاريخ ومسيرة طويلة كما شاهدنا مؤخرا في مشاركة أحدهم الذي لم يقدم جديدا خلاف ما كنا نشاهده له من أعمال قبل عشرين عاما، وإذا اعتبرنا هذا الفنان أنموذجا لتلك النوعية فهو أيضا دليل على أن مثل هذه النماذج لم تكن متمكنة من رصد مسارها ومعرفة ما يمكن أن يتحقق لإبداعها من مكتسبات تقنية وموضوعية في حال تواصلها واتصالها بالساحة واطلاعها على جديد العالم وتوسيع نطاق ثقافتها البصرية عبر متابعة ما يستجد بحضور المناسبات الفنية العربية والعالمية ولو بالتواصل مع المعنيين بها عبر السبل المتاحة اليوم بشكل سهل وميسر، كما يفعله في المقابل التشكيليون المجددون والمطورون أدواتهم الساعون لوضعها في مكانها المناسب. هذا التراجع في مستوى الوعي لدى هذه النوعية من الفنانين انتهى بهم إلى طريق مسدود لعدم نجاحهم في رسم خريطة أسلوبها الفني مع ما نعرفه ونوثقه عنهم من اعتمادها على التقليد والانبهار بالغير ومن ثم استنساخ تجارب الآخرين دون معرفة بحقيقة أبعاد تلك التجارب فتوقفوا عندها في الوقت الذي تجاوزهم فيه أصحابها إلى إبداع أكثر تألقا وجذبا للمشاهد والناقد محليا وعالميا.
نعود للقول إن الفنون التشكيلية المحلية تتجه نحو تحقيق المكانة والمنافسة؛ ما يجعلنا نستشرف مستقبل أكثر منافسة وتقديم إبداع معاصر يتماشى مع ما تشهده الفنون العالمية من تغير وتبدل ومعاصرة لا يمكن أن يكون إبداعنا في منأى عنها بقدر ما نجد أنفسنا قادرين بعطاء الشباب وبما لدى الكبار (المعاصرين والباحثين عن سبل التحديث) أن نحقق النتائج المشرفة حاملين معنا هويتنا المستلهمة من موروث بصري وفكري عظيم. كما يمكن الإشارة إلى أهمية أن يعيد أولئك التشكيليون النظر في كيفية التعامل مع ما أصبحت عليه الساحة من واقع جديد يعتمد على الحركة والبحث والتجريب، مع إبقاء الأسلوب والخصوصية.
MONIF@HOT MAIL.COM