كان ولا يزال ملف المنشآت النووية الإيرانية موضوعاً ساخناً خلال جميع المحادثات التي جرت بين الدول الغربية والولايات المتحدة خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث تؤكد إيران سلمية برنامجها النووي، وحقها في استخدام هذه الطاقة للأغراض المدنية السلمية، وتخوف الغرب ممثلاً بإسرائيل والولايات المتحدة وبقية الدول الأخرى من تحول إيران إلى قوة نووية خلال السنوات الخمس أو العشر المقبلة.
وفي الواقع فإن للإيرانيين أسبابهم المنطقية المقبولة على الأقل نظرياً، وللغرب مبرراته وحججه ومخاوفه الحقيقية المستندة إلى سجل سلوك النظام الإيراني منذ قيام الثورة الخمينية حتى الآن، فإيران ترى أن النمو السكاني المستمر الذي تشهده البلاد سيعيق - في المستقبل - محافظتها على تصدير حصتها من النفط التي تقررها منظمة أوبك، إذا لم تستخدم الطاقة النووية لتأمين حاجاتها من الكهرباء والماء، وإجراء العديد من البحوث والتجارب الطبية، وهي تستند في ذلك إلى معاهدة انتشار الأسلحة النووية التي وقعتها إيران وتسمح لها بالحصول على التقنية النووية للأغراض السلمية في حدود الضمانات والقواعد التي نظمتها المعاهدة في مادتها الرابعة.
أما إسرائيل التي تشارك وتدعم الدول الغربية، فلديها مخاوف وهلع حقيقي من البرنامج النووي الإيراني يفوق ما لدى جميع الدول الأخرى؛ لذلك فهي ترى أهمية بقاء خيار استخدام القوة ضد هذه المنشآت إذا ما تعثرت الجهود الدبلوماسية، والعقوبات التي قد تفرضها الأمم المتحدة ضدها قبل أن تصل إيران في برنامجها إلى نقطة اللاعودة.
فقد عَدَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في خطابه لنيل الثقة في حكومته أمام الكنيست أن البرنامج النووي الإيراني خطر وجودي على إسرائيل. وفي تقرير لكبير واضعي الخطط الاستراتيجية والأرضية بوزارة الدفاع الإسرائيلية عاموس جلعاد قال إن بلاده لا تستبعد عملاً عسكرياً ضد البرنامج النووي الإيراني، كما أكد المسؤولون الإيرانيون أن الرد على أي هجوم على منشآتهم سيكون قاسياً ومدمراً، وهذا ما تخافه وتخشاه إسرائيل، خاصة أنها تعلم أن الإيرانيين يملكون ترسانة من الصواريخ بعيدة المدى التي طورتها واختبرتها في مناوراتها العسكرية الأخيرة، والتي قد تكون قادرة على حمل رؤوس كيماوية والوصول إلى المدن الإسرائيلية، إضافة إلى دفعها حزب الله لإرسال المزيد من الصواريخ قصيرة المدى من جنوب لبنان. لكن إسرائيل في ظل عدم استبعادها لهذا الخيار تدرس وتُحَضِّر للردود المحتملة لاستخدام هذا الخيار من خلال التدريبات التي قامت بها للسكان مؤخراً لمواجهة حرب على جميع الجبهات، ومن خلال التدريبات التي يقوم بها سلاح الجو.
وفي المقابل فإن الإيرانيين قد تعلموا من ضرب المفاعل النووي العراقي أوزريراك في عام 1981م فأقاموا منشآتهم النووية في مجمعات صناعية موزعة في عشرات المواقع المختلفة من إيران، ما يجعل من إمكانية تدمير إسرائيل لكامل البنية التحتية النووية الإيرانية أمراً مستحيلاً أو صعباً على الأقل، مع بقاء إمكانية عرقلة هذه النشاطات النووية بشكل كبير ولعدة سنوات، وهو مرتبط بتركيز الهجوم الجوي أو الصاروخي إن وقع على التجمعات الصناعية الكبرى للمنشآت النووية الإيرانية، مثل: منشأة نطنز (320كم جنوب طهران العاصمة)، وآراك (240كم جنوب غرب طهران)، وأصفهان وغيرها من المواقع المرتبطة بشكل مباشر بإنتاج المواد الانشطارية.
وكمبدأ لأي هجوم صاروخي أو جوي يستهدف المنشآت النووية الإيرانية، وكضمان لنجاحه، لا بد من تحقيق عنصر المباغتة لتدمير أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية، وقواعد الصواريخ والمطارات والطائرات التي قد تشكّل خطراً على القوات المهاجمة.
وإذا ما أقدمت إسرائيل على تنفيذ هجومها على منشآت إيران النووية فمن المتوقع أن تأخذ هذه المواقع الثلاث في نطنز وأراك وأصفهان نصيباً وافراً من القنابل المدمرة التي تحملها الصواريخ الموجهة أو الطائرات المهاجمة التي يتوقع أن تسلك في طريقها إلى إيران أحد الطرق الآتية:
أولاً: من الخيارات المتاحة أمام الطائرات المهاجمة التحليق فوق البحر المتوسط بالاتجاه شمالاً ثم الانعطاف شرقاً فوق تركيا، والتزود بالوقود من الطائرات الصهريج حتى الوصول إلى إيران، ثم التوجه نحو الأهداف المحددة.
ثانياً: توجه الطائرات المهاجمة نحو الشرق عبر الأجواء الأردنية ثم العراقية حتى الوصول إلى الأهداف المحددة في إيران، والتزود بالوقود على امتداد الطريق.
ثالثاً : التحليق باتجاه الجنوب الشرقي عبر الأجواء الأردنية وقريباً من الحدود السعودية، ثم عبر الأجواء العراقية حتى تصل إلى أهدافها المحددة في إيران، مع إمكانية التزود بالوقود على طول الطريق.
رابعاً: مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية عن طريق إرسال العديد من الصواريخ الموجهة أرض - أرض من طراز أريحا3 بعيدة المدى التي يمكن أن تطلق من العديد من القواعد العسكرية الإسرائيلية.
(*) أستاذ الجغرافيا السياسية المساعد - كلية الملك خالد
alqasoumi@gmail.com