مكة المكرمة - خاص بـ(الجزيرة):
أكد أعضاء لجنة التحكيم في الدورة الحادية والثلاثين لمسابقة الملك عبدالعزيز لحفظ القرآن الكريم على الدعم الكبير الذي يقدمه ولاة الأمر في المملكة لحفظ كتاب الله، ودعم المسابقات القرآنية، وأشاروا إلى دور هذه المسابقات في إبراز روح التآلف والتآخي بين الشباب والناشئة في شتى الأقطار الإسلامية من حفظة كتاب الله، وإذابة الفوارق الجغرافية والقومية بينهما، وظلهم تحت مظلة حفظ كتاب الله والتسابق في تجويده ومعرفة معانيه.
عناية فائقة
فقد أكد الدكتور إبراهيم بن سليمان الهويمل أن هذه المسابقة التي تحمل اسم موحد ومؤسس هذه الدولة المباركة والتي أولت القرآن الكريم عناية خاصة، وعناية فائقة لم يسبق لها في التاريخ ومن نماذج هذه العناية بهذا القرآن العظيم هذه المسابقة التي انطلقت من أم القرى من بيت الله الحرام الذي ابتدأ نزول القرآن الكريم على رسولنا عليه أفضل الصلاة والسلام.
وأضاف قائلاً: ها هي الآن في دورتها الحادية والثلاثين وعلى مدار هذه الأعوام العديدة والعالم المسلم في جميع أنحاء الأرض يتطلع إلى المشاركة فيها لما تحضى به من عناية تامة ومتابعة دقيقة من المسؤولين، لكونها تمثل عناية المملكة العربية السعودية بالقرآن، فأصبح الشباب في كل المراكز الإسلامية والجمعيات الإسلامية والدول الإسلامية يستعد بل يتمنى المشاركة فيها لهذه الخصوصية، ولاشك أن من أسباب الرقي بهذه المسابقة وضع رابط لأهل القرآن المشاركين في هذه المسابقة يتم من خلالها تعاهدهم بالقرآن وبجميع العلوم المتصلة به، يتم التواصل معهم ليتخلقوا بأخلاق القرآن ويتأدبوا بآدابه، ويأتمروا بأمره، وينتهوا عن نواهيه، وبذلك يكونوا قدوات صالحة، في مجتمعاتهم فهذا هم القرآن للتي هي أقوم إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم.
وشدد الدكتور الهويمل على شباب الأمة لن يقف صامداً محافظاً على أخلاقه إلا بمحافظته على كتاب ربه ولن ينبذ التغريب إلا بتمسك بتعاليم دينه، ولن يسلك منهج الوسطية والحق إلا باتباع منهج نبيه صلى الله عليه وسلم، كيف وقد قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وسنتي).
وقال: إذا ما نظرنا إلى هذه الإعداد الغفيرة التي شاركت طوال هذه السنوات الماضية في أفرع هذه المسابقة وأثرها في المجتمع التي تعيش فيه لوجدنا الآثار الحميدة، ولنا أن ننظر إلى مثال واحد وهم أئمة الحرمين الذين يؤمون المصلين، فمنهم خريجو هذه المسابقة المباركة وهكذا في كثير من بيوت الله في أنحاء المعمورة وأئمتها ودعاتها.
روح التنافس
ويرى الشيخ محمد مكي هداية الله عبدالتواب أن مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم وتفسيره في دورتها الحادية والثلاثين، امتداداً لعناية حكومة خادم الحرمين الشريفين بالقرآن الكريم، فهو دستور المملكة ومنهجها، بل هو دستور كل مسلم، وتهدف المسابقة فيما تهدف إلى حفز الهمم للمزيد من العناية بهذا الكتاب العزيز، وذلك من خلال زرع روح التنافس بين الناشئة والشباب لحفظ القرآن الكريم وتلاوته وتفسيره، وتشجيع المتميزين منهم بتقديم الجوائز، ورفع روحهم المعنوية، وذلك حين يتنافس الشباب على الجائزة العالمية التي تقدمها المملكة لحملة كتاب الله الكريم في شتى بقاع العالم، من خلال الفروع الخمسة للمسابقة، والتي راعت الفروق الفردية لحفظه، بدءاً من التسابق في حفظ خمسة أجزاء وانتهاءً بالتسابق في حفظ كامل القرآن الكريم مع التجويد والتفسير، وأصبحت قاعدة هذه المسابقة عريضة حيث لا يحق لمن سبق له الاشتراك في هذه المسابقة -فاز أم لم يفز- بالاشتراك مرة أخرى، وذلك لفتح المجال لأكبر شريحة من الفتيان والشباب للمشاركة في هذه المسابقة، ولذلك لو نظرنا إلى عدد المتسابقين الذين شاركوا في هذه المسابقة عبر ثلاثين عاماً نجد أن عددهم يربو على (4541) متسابقاً، يمثلون العديد من الدول والجمعيات والمراكز الإسلامية في العالم.
خدمة الحفاظ
ويؤكد الشيخ محمد مكي أن من أجمل ثمار هذه المسابقة بروز العديد من المتسابقين في مجال خدمة حملة كتاب الله واهتمام العديد من المعاهد والجامعات والمدارس في إعداد وتهيئة أفضل المشاركين في المسابقة، وانشغالهم بالإعداد والتهيئة على مدى العام، سواءً أكان ذلك داخل المملكة أم خارجها، ففي الداخل برزت جهود العديد من الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في هذا المجال وبالخصوص الجمعيات التي نافس مرشحوها مرات عديدة، حتى وصلوا إلى مرحلة تمثيل المملكة في هذه المسابقة الدولية، وما ذاك إلا دليل واقعي على العناية والاهتمام البالغ بحملة كتاب الله، وقد بلغت المسابقة من القوة مكاناً عالياً، فعلى سبيل المثال كان من شروط قبول المتسابق في هذه المسابقة فيما مضى أن لا يزيد عمر المتسابق عن ثلاثين عاماً، أما في السنوات الأخيرة فقد تم تحديد الحد الأعلى للسن بخمسة وعشرين عاماً، نظراً لكثرة المتسابقين، وبالخصوص من صغار السن، وسعياً لتحقيق الروح العالية للتنافس بين الناشئة والشباب، كما أبرزت هذه المسابقة روح التآلف والتآخي بين الشباب والناشئين المسلمين في شتى الأقطار، وأذابت كل الفوارق بينهم، وجعلت التميز في الجانب العلمي حفظاً وتجويداً وتفسيراً فنعم التميز ونعم التفوق.
وأبرز فضيلته أن مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية ومثيلاتها شجعت الروح الفردية والجماعية لدى حملة كتاب الله، فبذلت الجهود الخيرة من خلال عقد مسابقات أوليه عبر المؤسسات والمدارس الحكومية والأهلية والجامعات والكليات والمعاهد والجمعيات، حيث تتم التصفيات على مستوى المحافظات والمناطق، ثم على مستوى الدولة، ومن ثم يتم ترشيح الفائز المتميز للمسابقات الدولية, فكم في ذلك من الخير العميم للفتيان والشباب حين يمضون وقتهم في حفظ كتاب الله ومدارسته على مدار العام، ويكون ذلك حصناً حصيناً لاستثمار أوقاتهم فيما يعود عليهم بالنفع ويحمي أفكارهم وسلوكهم من الانحراف مؤملين أن تتحقق لهم الخيرية الموعود بها في قوله صلى الله عليه وسلم: خيركم من تعلم القرآن وعلمه.
وحث الشيخ محمد مكي هداية الله الناشئة والشباب على زيادة العناية بهذا الكتاب حفظاً وتجويداً، مع الحرص على فهم معانيه وتوجيهاته، والعمل بها، ليكون هذا الكتاب مصدر سعادة لهم في الدارين، مؤملاً من الجهات المشرفة على إعداد الطلاب العناية بالمدرس المتميز ليكون له دور فاعل في تهيئة المتسابق الكفؤ لهذه المسابقة، فلم يعد في المسابقة مجال للتسابق لمن هو دون التميز.
وأشاد بما تبذله حكومة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني في دعم المناشط القرآنية بسخاء وترعاه معنوياً ومادياً، جعل الله ذلك في ميزان حسناتهم يوم القيامة، والله أسأل أن يبارك في جهود حكومة خادم الحرمين الشريفين على ما يقدمونه من خدمة للإسلام والمسلمين وبالخصوص فيما يتعلق بحفظ ونشر وطباعة وتعليم هذا الكتاب العزيز.
وفي نهاية تصريحه عبر عضو لجنة التحكيم الشيخ محمد هداية الله عن شكره لمعالي وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ لرعايته وحرصه الدائم على تطوير هذه المسابقة والنهوض بها وتهيئة جميع السبل المحققة لأهدافها وذلك من خلال الجهود التي تبذلها الأمانة العامة لمسابقات القرآن الكريم وإبراز تلك الجهود من خلال الإدارة العامة للعلاقات العامة والإعلام بالوزارة، فلهم ولجميع الإخوة العاملين بالوزارة ولجميع الجهات المساندة في تسهيل أمور المسابقة وتغطية فعالياتها كل دعاء بالتوفيق والسداد.
أعظم جائزة
أما الدكتور سالم بن غرم الله بن محمد الزهـراني أستاذ القراءات بجامعة أم القرى فقال: إن المسابقات القرآنية على مختلف مستوياتها تعد من أعظم الروافد والدوافع لإتقان كتاب الله تعالى والبراعة فيه، ولا يخفى دورها في الدعم والتشجيع على حفظ القرآن الكريم، وإتقان تلاوته، وذلك من خلال الجهد الذي يبذله المتنافسون فيها، سواء في مجال إتقان الحفظ وقوته، أو في مجال ضبط الأداء وسلامته.
وأكد أن مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم وتلاوته وتفسيره، تعد جوهرة المسابقات القرآنية ودُرَّتها، وذلك لوقوعها في قلب العالم وقبلة المسلمين ومهبط الوحي مكة المكرمة، فرغم تعدد المسابقات القرآنية في مختلف أقطار العالم، وتباين مستوياتها، ورغم وجود مسابقات تعطي المتسابقين جوائز مالية عالية، إلا أن محط أنظار الحفظة ومنتهى آمالهم من المسابقات القرآنية هي مسابقة الملك عبد العزيز الدولية.
وقال: قد لمست من خلال تحكيمي في عدد من المسابقات الدولية أن كثيراً من المتسابقين يتوقون ويتطلعون للمشاركة في هذه المسابقة الميمونة، وذلك لما تنفرد به عن جميع المسابقات العالمية، حيث تقام هذه المسابقة في جوار بيت الله الحرام، وتتيح للمتسابقين الوصول إلى البقاع المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، والصلاة في بيت الله الحرام، ثم في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأداء مناسك العمرة بكل يسر وسهولة، وبرعاية كريمة من وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، وهذا الأمر يعد أعظم جائزة ومكرمة للمشاركين في هذا المسابقة، حتى مَنْ لم يكتب لهم الفوز في أحد فروعها.
ميزات المسابقة
وأوضح د. الزهراني ما تمتاز به هذه المسابقة الرائدة من حيث تعدد فروعها مما يتيح لكثير من أبناء المسلمين في البلاد الإسلامية وغير الإسلامية المشاركة في أحد فروعها، فليست قاصرة على من أتم حفظ القرآن الكريم كاملاً، ومن النتائج الواضحة التي حققتها هذه المسابقة - ولا تزال في ازدياد بتوفيق الله تعالى - ذلك الإقبال الكبير على حفظ كتاب الله تعالى الذي لم يشهد له نظير في الماضي القريب، وكذلك انتشار حلقات تحفيظ القرآن الكريم في جميع البلدان، وحرص كثير من الدول على ترشيح متسابقين لها، بل بلغ من حرص بعض الدول عليها أن هيأت مقارئ خاصة تؤهل فيها من ترشحهم للمشاركة في مثل هذه المسابقة.
وواصل القول: من آثارها الطيبة انبعاث روح الجدية والتنافس الشريف في مجال حفظ كتاب الله تعالى وتجويده، وقد أحدثت هذه المسابقة نقلة كبيرة في مستوى التلاوة وجودة الأداء لدى حفظة كتاب الله تعالى المتقدمين للمشاركة في هذه المسابقة على وجه الخصوص، نتيجة للتنافس في دخولها، كما أنتجت وعياً كبيراً لدى طلاب القرآن الكريم وحفّاظه بأهمية تجويد القراءة وإتقانها، والحصول على الإجازات العلمية من المقرئين المعتبرين.
ولاحظ الدكتور الزهراني أن كثيرين ممن شاركوا في هذه المسابقة عبر سنواتها الطويلة قد أصبح لهم بفضل الله شأن ومكانة في بلدانهم، حيث أصبح كثير منهم يشغلون مواقع هامة ومؤثرة في بلدانهم، ويتولون إمامة جوامع كبيرة، ويتولون إدارة معاهد ومدارس علمية قرآنية متخصصة.
ورأى أن وزارة الشؤون الإسلامية، وأمانة المسابقة على وجه الخصوص تسعى دائماً للرقي بهذه المسابقة لتكون أكثر نفعاً وتوجيهاً للناشئة المتسابقين خاصة وشباب الأمة عامة، وتسعى إلى اتزان حفظة القرآن واعتدالهم، وإدراكهم لوسطية الإسلام واعتداله، وعدم تعرضهم لأخطار التغريب وأفكار التكفير.
مقترحات للتطوير
وقدم الدكتور سالم الزهراني مجموعة من المقترحات للرقي بهذه المسابقة وتطورها -لتوعية المتسابقين بأهمية الاعتدال والوسطية وعدم الانحراف في مخاطر التغريب أو التكفير- وتقديم برامج علمية وتوجيهية مصاحبة للمسابقة، ومنها: تقديم ندوات ومحاضرات في موضوعات فكرية، تبصر الشباب بمخاطر التغريب وفكر التكفير، وتبين لهم واجبهم نحو التعايش مع واقع المجتمعات -الإسلامية وغير الإسلامية- التي يعيشون فيها، وكذلك عقد مسابقات تثقيفية مختصرة في أوقات فراغ المتسابقين تهدف إلى توعيتهم بقضايا معينة، ومنها على سبيل المثال: مسابقة في تفسير بعض الآيات، بحيث تختار آيات تعالج قضايا معينة، ومسابقة في كتابة مقالات مختصرة في موضوعات محددة، بحيث يطلب من المشاركين الكتابة فيها خلال أيام المسابقة، إضافة إلى توزيع كتب ومطبوعات على المتسابقين تبصرهم بأخطار التغريب والتكفير، والإفراط والتفريط، وتبين لهم المنهج الوسط الذي ارتضاه الله لعباده وأثنى عليهم به في كتابه في نحو قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} البقرة (143).
كما أقترح من باب التطوير والتجديد في هذه المسابقة الرائدة تخصيص فرع من فروع المسابقة للقراءات القرآنية -كالحال في الفرع الأول الذي فيه حفظ القرآن الكريم كاملاً مع تفسير مفردات القرآن- لأن علم القراءات يشهد مؤخراً بفضل الله وتوفيقه انتشاراً كبيراً على مستوى العالم، وأصبح يُدَّرس في الكثير من المعاهد والجامعات ومدارس تحفيظ القرآن الكريم، كما أن مستوى الوعي بالقراءات أصبح ظاهراً وكبيراً مقارنة بما كان عليه الحال من قبل، على مستوى الخاصة والعامة، وذلك لظهور القراءات وانتشارها عبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، وقد تولت وزارة الشئون الإسلامية بجهودها المباركة من خلال مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة النبوية تسجيل عدد من المصاحف بروايات مختلفة، وكتابة عدد من المصاحف بروايات عديدة.