قبل سنوات أذكر عندما كتبت عن (حزن البنات) في سلسلة كشفت عن المخبوء في عجينة نشأتهن وواقعهن وممارسة حياتهن ومحاضن تلف ذراعيها من حولهن، وسياط تجلد أحلامهن، ودروب تفتح ذراعيها لتلتهمهن، راسلني من الفتيان يسألون وماذا عن أحزاننا..؟ ماذا عن المخبوء في النظير لكل ما تتحدثينه عن البنات، ولم تعبر حلقات من الأحزان إلا وتكثفت غيومها من حول قلمي تصب في دواتي وتسحب قطراتها على أديم قرطاسي.. الرجال يسألونني عن أحزانهم والنساء يفعلن، كان مشروعاً كبيراً، منذ ذلك وقضايا الإنسان فسيفساء القطرة في المحبرة، والرسمة في السطر, والبذرة في جذر القلم.
على فترات، تعددت في بريدي مجموعة من الرسائل، تتمحور حول السؤال نفسه القديم والقائم, ومن ثم التالي، بكل ما هو آت ينبئ بأن قضايا الإنسان تتكرر وإن اختلفت التفاصيل في العجين, وبقايا الأطباق، ومنثور الخيوط.. وتلك الرموش المنحدرة عن الجفون، مع سيل الأنهار من جدار القلوب،.. الرجال يسألون: من التفت إلى حقوق الرجل عند امرأة متسلطة، سليطة اللسان واليد، ظاهرها يبرق وباطنها يبغض، لا تبقي لنا عَرقاً منذ أن يتجمع في أوعية تعبنا، فتهدره في فراغ الأسمال, ولمعان المعادن، لا تعرف توقيراً لوالد لنا، ولا رحمة بأم تحنو علينا.., تنزعنا من باب البيت الذي درجنا صغاراً خلف ضلفتيه, لترمي بآمالنا عند أقدام صغارنا, في بيوت أقمناها فجعلتها بيوت حدآت تنعق.., لاهي سكن لنا ولا منها رحمة بنا, فلماذا لا يتحدثون عن حقوقنا ونحن في هذا الخضم وطمي المفاجآت بعد أن نغذ في مسألة انتزاعنا من بيوت آبائنا لبيوت نضمهن إليها كي نبدأ مسيرة ما بدأه كل اثنين على الأرض..؟ من يدخل تحت سُقفنا ليقرأ نعيقهن في لحظات الغضب؟ ومن يندس في صدورنا ونحن نراكم غيظنا صبراً عليهن..؟ كثيرون وكثيرون لا يهنؤون في بيوتهم من هؤلاء النساء، يتمردن ويقسون ويجحدن ويتمادين.. ونحن، عهد الناس فينا القوة فأسكتونا بها، ومُنحنا الولاية فلفَّت حول أعناقنا بثقلها فاحتملنا،.. العالم يقف ولا يقعد، ويهدر ولا يصمت، حديثا عن حقوق المرأة..؟ فمن يكشف عن وجه المرآة عمقها ليري هذا العالم الوجه الآخر لهذه المرأة..؟.
ترى هل لو انفرجت أبواب البيوت، وأُشرعت صدور الرجال من الأزواج والإخوة والأبناء لهؤلاء النساء، سيرى الناس ما يختبئ تحت الألوان وبريق المظهر، وقوة الإحكام بمقابض التسلط..؟.
كانوا يسألون: من سيتحدث عن حقوقنا..؟.