في مدينة حلق الوادي قرب مدينة تونس العاصمة كنت سعيداً وأنا أتجول في مهرجان السمك والذي يقام سنوياً خلال شهر أغسطس في هذا الميناء الصغير الذي يقع شمال البلاد، وسط كثافة سياح من كافة الدول، بالطبع لكم أن تتخيلوا مهرجاناً قد خصص للسمك،
رائحة الشواء ليست الرائحة الوحيدة التي تعبق المكان، كل شيء يشي بروائح المهرجان الاحتفالي، والأسعار تنافسية تجتذب أهالي العاصمة التونسية والمواطنين ربما أكثر من غيرهم من السياح طمعاً في هذه الفرصة الموسمية.
ولا يخفى عليكم أن القطاع السياحي أصبح يمثل الدخل الأول لكثير من الدول التي تفتقر إلى الموارد الطبيعية الأخرى، بل إن كثيراً من الدول الصناعية والنفطية التفتت أخيراً إلى السياحة باعتبارها صناعة تدر ذهباً، مما حدا بالقائمين على السياحة في كثير من البلدان إلى ابتكار طرق ووسائل جذب تعتمد على مقدرات كل منطقة وما تشتهر به وما ينظر إليه السائح الأجنبي على أنه ليس موجوداً إلا هنا، إنني أتابع وبكل إعجاب العديد من المهرجانات التي بدت صغيرة ثم تحولت بمرور الأيام إلى مهرجانات عالمية تشد إليها رحال السياح من كل صوب، كرنفال رودي جانيرو البرازيلي الشهير على سبيل المثال يستقبل وفوداً تصل إلى 700 ألف زائر خلال عدة أيام، تغذي الاقتصاد لهذه المدينة التي تعتمد اعتماداً مباشراً على شهرة الكرنفال، ثمة مهرجانات أخرى شهيرة وغريبة في العالم مثل مهرجان البصل في سويسرا والذي يقام كل سنة في يوم الاثنين الأخير من شهر نوفمبر في المنطقة القديمة في سويسرا، حيث تغلق بعض الشوارع أمام حركة السيارات. ويبدأ المهرجان الساعة الرابعة فجرا بتقديم شوربة البصل للمشاركين فيه، وعلى أنغام الموسيقى يحتفل المشاركون بهذه المناسبة، ويتم عرض مجموعات مميزة ومنسقة بعناية من البصل، والتعرف على الأنواع المختلفة منه والتنافس في تجميل ثمار البصل الهامة لصحة الإنسان، وبالطبع فإن هذا المهرجان يضم أيضاً الثوم (ابن عم البصل) والذي يتم الاحتفال به أثناء هذه المناسبة الهامة. وهناك أيضاً المهرجان الشهير حرب الطماطم والذي تغرق فيه الشوارع بأطنان الطماطم التي يتراشق بها المحتفلون في شوارع العاصمة الكولومبية بوغوتا، وكذلك في بعض شوارع المدن في إسبانيا وغيرها. وثمة مهرجانات أكثر غرابة مثل مهرجان القفز على الأطفال الرضع في إسبانيا، ومهرجان دحرجة كرات الجبن من أعلى التلال في اسكتلندا ومن يلحق بالجبنة قبل وصولها إلى نهاية الهضبة يعد فائزاً بالجائزة، وهناك أيضاً مهرجان الوحل في كوريا والذي يستقبل مليون زائر للاستمتاع بالوحل المليء بالمعادن المفيدة، وفي تركيا يوجد مهرجان شهير لمصارعة الجمال، أما المهرجانات الطريفة فهي كثيرة أيضاً منها مهرجان سباق حمل الزوجات السمينات في فنلندا، أما في تايلند فالشعب هناك وفي مع القرود التي تجتذب عشرات السياح لبلادهم، فلذلك يردون لها الجميل بعمل مهرجان سنوي يقيمون فيه عشاءً فاخراً للقرود التي لا تتوانى عن التهام النقانق المشوية وشرب علب الكوكا كولا الغازية، وهناك في إيطاليا مهرجان سنوي لقذف البرتقال وهو شبيه بمهرجان حرب الطماطم.
وطبعاً بغض النظر عن موقفنا المؤيد أو الرافض لتلك المهرجانات الكثيرة، يجب أن نعترف أنها ساهمت في جذب السياح وخلقت مزيداً من فرص الاستثمار المحلي وانتعاش الأسواق الاقتصادية وهذه هي فكرة السياحة، وكلما كان المهرجان مرتبطاً بالبيئة التي يشتهر فيها كلما كان أقرب للنجاح، وفي هذا السياق أجدني منحازاً للإعجاب بالهيئة العامة للسياحة والآثار بالمملكة والتي أوجدت مناخاً سياحياً من شأنه تحقيق مزيد من الرخاء في اقتصادنا المتعافي بحمد الله، فمهرجان الجنادرية الثقافي بالطبع أصبح أشهر من نار على علم، ومهرجان أم رقيبة لمزاين الإبل فكرة مبتكرة، ومهرجان التمور الدولي في بريدة هو أيضاً فكرة رائعة بدأت تلقى عناية المهتمين من كل مكان، وهناك أيضاً رالي حائل الدولي، والأفكار تتوالى كلما وجدت مناخاً خصباً ومنفتحاً بشرط أن لا تطغى النظرة المادية الجشعة على مثل هذه المهرجانات برفع أسعار السلع والإيجارات الخاصة بالفنادق والشقق المفروشة نريد مهرجانات تجذب ولا تنفر، نريد مهرجانات توجد مزيداً من فرص التوظيف للشباب والشابات، نريد مهرجانات غير متشابهة لكل منطقة منها نصيب.
Mk4004@hotmail.com