التلاعب بالآمال والأحلام جريمة إنسانية بكل المقاييس، فعندما تُغرد بعض الجهات (الاستغلالية) خارج السرب عازفة على وتر طموحات الشابات والشبان وتعزف لهم ألحاناً وسيمفونيات تأخذهم في عالم الخيال إلى حيث مقاعد الوظيفة والراتب والبيت ذي الأسوار البيضاء والزوجة وتغريد الأطفال كل صباح إلى جانب فنجان القهوة.
هذا كله لن يتحقق لـ1500 من شبابنا الذين اصطفوا على جدار الأحلام بعد أن قرؤوا إعلاناً في الصحف تصوروا أنه المنفذ الوحيد لطرد شبح البطالة، هؤلاء الضحايا هم ضحايا إعلان تجاري عن دبلوم لإعداد معلمين متخصصين في اللغة الإنجليزية للمرحلة الابتدائية ومعتمد من وزارة الخدمة المدنية للتعيين على المرتبة السادسة، وزاد من ثقة هؤلاء الشبان بهذا الإعلان أن الجهة القائمة عليه هي إحدى الجامعات السعودية بالتعاون مع الأكاديمات العالمية، ولو لم يدخل اسم الجامعة لما فكروا بالانضمام لهذا البرنامج الذي مدة دراسته سنتان، برسوم قدرها خمس وعشرون ألف ريال، تخيلوا ما الذي عمله هؤلاء لتأمين هذه الرسوم؟ هنا هبت النساء والأرامل فمنهن من باعت مجوهراتها، وأخرى باعت قطعة الأرض الصغيرة التي كانت تنسجها جدران هزيلة من الأحلام لبناء بيت العمر، هذه التضحيات العظيمة من نساء عظيمات تم الاستخفاف بها من قِبل الذين (بلعوا) أموالهن.
حان وقت التخرج والفرح، ومضى كل منهم ينتظر مقعد الوظيفة والمرتبة السادسة، وبعد مضي كل هذا الوقت أعلنت وزارة التربية والتعليم، بتصريح عبر الصحف عن رفضها لتوظيف هؤلاء الخريجين، ولا أدري لماذا لم تخرج بهذا التصريح حينما تم نشر الإعلان لتنبه أبناءنا من خطر الالتحاق في هذه الأكاديمية.
لم يصمت هؤلاء الضحايا، وذهبوا إلى ديوان المظالم الذي أصدر حكماً بإعادة الرسوم الدراسية لأهلها، ومع أن الحكم صدر قبل عامين أو أكثر إلا أنهم ولهذا الوقت لم يستلموا من أموالهم فلساً أحمر ولا أبيض! ذهبوا أيضاً إلى الجامعة التي كان اسمها عامل جذب وإغراء في الإعلان والتقوا بمديرها (السابق) الذي طردهم شر طردة بل وكان نصيب أحد الشبان الحبس لمدة يوم لأنه تحدث باسم زملائه مطالباً مدير الجامعة بتنفيذ الحكم الصادر عن ديوان المظالم لإعادة الرسوم الدراسية.
إن ما حصل هو استخفاف بجهة قضائية وقانونية، بل وتقليل من شأن الأحكام الصادرة عنها وذلك بعدم احترام هذا الحكم الصادر لصالح الضحايا، فهل يُعقل أن يترك الإنسان كل مشاغله ليلاحق تلك الجهات من أجل تنفيذ حكم قضائي؟ وما هي الأشياء التي يمكن أن يقوم بها الفرد لتطبيق مثل هذه الأحكام ما لم يكن وراءه غطاء حكومي قضائي وأمني.
هذا ينم عن خلل صريح وواضح، يحتاج إلى وقفة جادة لمعاقبة كل من يحاول استغلال الأحلام والطموحات لجني أموال اليتامى والمساكين والمرتعبين من شبح البطالة, فهؤلاء الشابات والشبان هم أمل المستقبل ولا بد لهؤلاء أن يُمنحوا الأمل حتى يتصفوا بالطموح والمثابرة وليس لهم منا إلا التشجيع والدعاء, هذا هو حقهم علينا.
إن أحلام هؤلاء الشباب، أحلام مشروعة، أرادوا أن يشاركوا هذا الوطن في البناء، أرادوا أن يردوا لوطنهم الجميل, أرادوا أن يحققوا أحلامهم في الأمن الوظيفي الذي هو بوابة بناء العائلة الصغيرة والزواج والبيت, لذا فإن الحكم بتعويضهم بما دفعوه لا أراه كافياً أبداً، وأطالب أن يتم تعويضهم عن آلامهم وأحلامهم، عن كل دمعة سقطت على خد أم من أمهاتهم، عن كل لحظة ألم وحسرة على المستقبل الضائع في نفوسهم, مثل هذه الممارسات يجب ألا تنتظر أحداً يكتب عنها إذ لا بد من رقابة تقوم بمتابعة أحكام الجهات التشريعية مثل ديوان المظالم عندما يصدر حكماً بمثل هذه الأهمية بحيث يتعلق بأموال أعداد كبيرة من الناس, على أن تكون مهمة هذه الجهة الرقابية أن تقوم بتعجيل تنفيذ مثل هذا الحق إلى أهله, وكلنا أمل فيما يقوم به راعي نهضتنا خادم الحرمين الشريفين الذي خص إصلاح القضاء بكثير من الجهد, وأملنا طيب في كل الوجوه الجديدة في نظامنا القضائي الجديد أن يكون هناك سعي حقيقي لمنع مثل هذه الحالات التي نأمل كلنا أن تختفي.
www. salmogren. net